تحليلات وتسريبات وتصريحات وجلسات تقييم في اكثر من خندق ومكان والعنوان هو البحث عن اجابة لسؤال حول تعامل الدولة الاردنية مع الاخوان المسلمين في ضوء التطورات الاخيرة, وعاد السؤال القديم الجديد حول الوضع القانوني للجماعة وضرورة ان تتكيف مع قانون الاحزاب, وهو سؤال يظهر مع كل ازمة منذ عقود ويراه البعض عنوانا للتضييق على الجماعة مع ان تغير الظروف جعل للتعامل القانوني والسياسي اكثر من طريق واداة, ومازال السؤال قائماً: ما الجديد المثير في تعامل الدولة مع الاخوان!, ولعل ملامح الاجابة تظهر في النقاط التالية:-
1-ان الدولة الاردنية بحكم عمق التجربة ونهجها القائم على رفض فكرة الاجتثاث وتوسيع دائرة التوافق لا تتعامل مع الملفات الكبرى بانفعال, والدم بمعناه الحقيقي او السياسي من اعداء نهج مؤسسة الحكم, ولهذا سجل العالم العربي نموذجا اردنيا في ادارة العلاقة مع الاخوان, لكن هذا النموذج كان قائما على اسس اهمها التزام الجماعة بفكرة الدولة وفريضة الامن والاستقرار والعمل تحت مظلة الدستور ومؤسسة الحكم.
2- ومع بداية الربيع العربي تعاملت الدولة بذات العمق والهدوء وانطلقت من رؤية سياسية, وحتى عندما خرج البعض ومنهم تيارات في الجماعة تقود عن الاسس السابقة, وعملت على تمرير شعارات اسقاط النظام في تجمعات ومسيرات وبطريقة تخلو من الذكاء, فان الدولة لم تنفعل سلبيا وقدمت تعاملا سياسيا كان هدفه حفظ الدم الاردني وكان هذا نجاحا اسقط رهانات بعض مراهقي ومغامري المرحلة الذين كانوا يبحثون عن دم لتحقيق مخططات حلموا بها.
3- وكانت الجماعة تعمل وفق رؤية تيار حاكم لم يترك وسيلة ولم يفوت فرصة للذهاب نحو أهدافه التي كانت في حدها الادنى تغيير بنية النظام السياسي, ورفض استمرار الملك بذات الصلاحيات والدور, وكان هناك تفاصيل كثيرة تتناقض مع اللغة الناعمة التي كنا نسمعها قبل الربيع, ورغم كل محاولات الاختباء كان تمرير شعار اسقاط النظام في بعض المسيرات وكان اخيرا الحديث عن جمهورية اردنية في الضفتين, وكل هذا وغيره لم يجد من الدولة انفعالا سلبيا وهو ناتج عن الثقة بالدولة والاردنيين ووعيهم.
4-لقد حافظت الدولة خلال اعوام الربيع على الحد الادنى من التواصل بين مؤسسة الحكم والجماعة, وعملت الحكومات على تواصل اكبر لكن الجماعة تعاملت مع الحكومات بفوقية, لكن الحفاظ على تواصل ما ليس ضعفا بل انسجاما مع نهج الدولة مع كل مواطنيها, ورافق هذا حسم وحزم في كل المنعطفات مثل مسألة اجراء الانتخابات التي كان اجراؤها في موعدها دون الرضوخ لشروط الجماعة رسالة على حزم الدولة وقوتها.
ولم تنفعل الدولة وتذهب لاي خطوات غير مألوفة حتى في المراحل التي تبنت فيها الجماعة خطوات وخطاباً قائماً على قناعة بان الدولة في اشد حالات ضعفها, ويوم ان كان البعض يعتقد ان السيطرة مسألة وقت بقيت الدولة تدير الامر بعقلية ام الولد في الحفاظ على دم الاردنيين ومسار الدولة وفي نفس الوقت الرد العملي على اي فكر غير ناضج.
5- لم تفكر الدولة بعقلية الاجتثاث او الاقصاء وبقي خطاب جلالة الملك دائما يتحدث عن التوافق ويشير الى ان الساحة والمرحلة تتسع للجميع, وحتى عندما كانت تبث بعض رفضها لتصريحات او ممارسات تخرج من هنا او هناك, فان عقل الدولة مازال يحافظ على نهجه التاريخي في احتواء الجميع لكن ليس على حساب حق الاردنيين في الحياة الامنة ولا على حساب استقرار الدولة. ولان الدولة تدرك ان البعض ينفعل في بعض المراحل بشكل غير حكيم بسبب نقص الخبرة.
واليوم ما الذي سيجري في قادم المراحل في العلاقة بين الجماعة والدولة وبخاصة في ظل المتغيرات الاقليمية, والجواب ضمن النقاط التالية:
* ان القارىء لتعامل الدولة مع كل المراحل المعقدة يدرك انها لاتؤمن بنهج الاقصاء او العقاب الاجتثاثي, بل تفتح دائما ابواب التوافق ومساحة متاحة لكل طرف سياسي واي فرد ضمن معادلة الدولة واستقرارها.
* لكن ماسبق لايعني ان صورة الجماعة قبل الربيع هي ذاتها اليوم, والسبب ليس الدولة بل تغير خطاب الجماعة ومسارها, التي بحثت بكل الوسائل عن فرصة سياسية او ميدانية لتغيير بنية النظام السياسي, وهو امر تتحدث عنه بعض قياداتهم بشكل واضح, وهذا يضع الجماعة امام سؤال كبير عن العودة في اي لحظة سياسية الى محاولات تغيير شكل الدولة لو توفرت لهم القناعة بقدرتهم على ذلك.
* ان سؤال المستقبل ليس مطروحا على الدولة فقط بل على الجماعة ايضا, والقضية ليست في السؤال القانوني عن وضع الجماعة وترخيصها فهذه جزء من التفاصيل, لكن المستقبل يحدده نهج الجماعة ومصداقية خطابها ظاهره وباطنه, فهل تريد الجماعة العمل تحت سقف الدولة والدستور والقانون وتكون جزءا من الحياة السياسية والعامة ام تريد البحث عن مراحل ضعف الدولة او تحالفات التنظيم الدولي لفرض شروطها على الدولة الاردنية!!
وهل الخطاب السياسي والاعلامي الذي ظهر بشكل واضح خلال الاعوام الاخيرة ومارس الاستفزاز والتجاوز على ثوابت الدولة وخروجا على المعادلة التاريخية في علاقة الدولة بالجماعة هو خطاب المرحلة القادمة ام ان هناك مراجعة اخوانية لما كان في الاعوام الاخيرة!
ماذا تريد الجماعة وما هو نهجها ومن هم عناوينها السياسية وما هي شبكة علاقاتها الاقليمية, وهل هي جزء من الدولة ام ند لها, كل هذه اسئلة مطلوب من الجماعة ان تعلنها ليس للدولة بل للجميع فالاجابات هي جزء من شكل المستقبل, والاجابات قد تكون متناقضة من الجماعة من تيارات تعمل للاصلاح مثل جماعة زمزم, ومجموعات من قيادات العقود الماضية او القيادة الحالية.
علاقة الدولة بالجماعة محكومة من الدولة بعاملين اساسيين اولهما عدم السماح لاي طرف بالعبث بمسار الدولة وامنها وحق الاردنيين في حياة طبيعية, والثاني ان الساحة متاحة للجميع وان اللغة الاردنية خالية من الدم والسجون والمعتقلات والاجتثاث.
وداخل هذه المعادلة من السهل على الجماعة ان تستعيد مكانها كحركة اردنية سلمية مؤمنة بالدولة وتعمل تحت مظلة القانون والدستور, والمستقبل متاح للحفاظ على النموذج الاردني الذي استفادت منه الجماعة عقودا طويلة, لكن تجربة الاعوام الاخيرة لم تكن في صالح الجماعة رسميا وشعبيا واصبح الحذر والحاجة لاختبار كل موقف امراً ضرورياً, وهذا يجعل الجماعة امام ضرورة ملحة لتقييم عميق اذا ما كانت نظرتها للمستقبل خالية من حسابات خاطئة واحلام صنعت خطاب البعض وعلاقاته.