لم يكتف رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بأن حجبَ بقرار حكومي جامع، كافة المواقع الإباحية بشكل افتراضي لجميع مشتركي الإنترنت في بريطانيا، ولكنه ذهب أبعد، حين أعلن عن خُطة وطنية أوسع لتقنين المواقع والتدفق الإعلامي (المُنفلت) بوجه الأطفال حماية لهم من التأثيرات الضارة والآثار السلبية على بناء أدمغتهم ونموهم بشكل صحي وسلس.
بريطانيا تضع قانوناً جديداً يحدُ من هذا التدفق العشوائي للصورة والهمسة والمعلومة، وتحذر شركات عالمية من اتخاذ إجراءات قانونية لمشتركي الإنترنت بحلول هذا العام لإنقاذ النشء البريطاني من "الدمار".
"غربلة".. ماذا عنا نحن، من يغربل لنا؟
طيب.. في أميركا فاز الرئيس كلينتون لفترتين رئاسيتين على (حِس) التعليم وبدعوى العودة إلى أنظمة تربية أميركية متكاملة تُنقذ أجيالاً من الضياع وتعيد ثقافة الحوار واحترام قيم الآخر ومعتقده وحريته الشخصية، وإعلاء قيم العدالة والمحبة والعمل وترفع كفاءة أنظمة التعليم ما سينفع النشء ويحل المشاكل التي تواجه العالم اليوم".. حسب كلينتون.
ها هي أميركا تضع "غربلة" أيضاً في أنظمة التعليم ، فماذا عنا؟
الرئيس أوباما نفسه فاز بفترتين أيضاً بنفس التمسك بقيم الأسرة والدين والعودة إلى الأصول والإعلاء منها في الثقافة الأميركية، وهو ما ظل الأميركان يفاخرون به المجتمعات الأوروبية التي تعاني من التفكك الأسري.
"غربلة" مجدداً في مراقبة التدفق العشوائي للمعلومات التي من شأنها أن تجبُل أجيالاً كاملة على أنماطها وقيمها الخاصة بدون رقيب أو حسيب.
العالم كله ينظر بحذر ويرقب الآتي عبر الفضاءات المفتوحة غزواً متواصلاً على العقول الصغيرة والأدمغة التي لم تكتمل، ويعمل بإرادة صلبة للتغلب على هذا الغزو بإعلاء قيم المصارحة والمكاشفة وتشخيص العلل، أما نحن فَعِلَلُنا بلا تشخيص وأمراضنا المزمنة لا دواء لها بغياب المفاتحة وأسس الحوار وغلبة العيب وكلام الناس.
حواراتنا التي هي من طرف واحد لا تشكلها إلاَّ أوامر المنع والحجب والعيب.
فمن قال لكم أن كثيراً من الآباء والأمهات ليسوا بحاجة ماسة لحجب مواقع وقنوات وفضائيات ومصادر معلومات عنهم حتى لا يكتمل الخراب ونأتي على الباقي من وعيهم وقدرتهم على التربية.
أتعرفون العالم اليوم يجري دورات تدريبية تشهد إقبالاً واسعاً.. تعنى بتدريب الآباء والأمهات ليكون أباء وأمهات.. وكيف يكتسبون مهارات الأبوة والأمومة على أسس علمية ونظريات دقيقة تعتمد الحوار الحضاري أساساً وتعظيم الفائدة بنقل التجارب الثرية للأطفال.
ثم ماذا عن جمهرة المربين الفاضلين الذين هم مثلنا بأمس الحاجة لتلقي دروسا في التربية والحوار واحترام الأخر قبل أن نفتح لهم الأبواب ليعيثوا في عقول الصغار جهلا وأُمية جديدة.
من يربي من، نحن أم هم، ومن يضمن لنا عملية "غربلة" حقيقية تضع خطاً فاصلاً بين الغث الفاسد المُفسد والسمين المُربي الذي يمكنه إحداث تغيير نوعي في التربية.
كلنا نحتاج إلى "غربلة"!.
الغد