خان العسل .. هل هناك من سمع؟!
جهاد المنسي
31-07-2013 05:05 AM
في سورية ما يزال القتل مستمرا، وما تزال الفتاوى "الجهادية" تتقاطر من كل حدب وصوب، وما يزال المجتمع الدولي يصمت عندما يطلب منه ذلك، ويتحدث شاجبا وناقدا عندما يطلب منه ذلك، وما تزال قنوات الفتنة تنفث سمومها المذهبية يوميا، وتنتقل من بلد لآخر.
لو أن ما حصل في منطقة خان العسل على أيدي "لواء أنصار الخلافة" و"جبهة النصرة"، وذهب ضحيته عشرات المدنيين والعسكريين، جرى على يد الجيش السوري مثلا، لقامت الدنيا ولم تقعد، ولعقد مجلس الأمن اجتماعات فورية، وطالب أعضاء دائمون، كأميركا وفرنسا وبريطانيا، بتدخل دولي وزيادة تسليح المعارضة، ولتدخل كتاب أعمدة، وقنوات إعلام، شاركت وتشارك في سفك الدم السوري، في التطبيل والتزمير لما حصل، وخرجت فتاوى "قرضاوية" مختلفة تطالب بالجهاد وتثير العصبيات القبلية فينا.
ما سبق لا يعني تأييدا لأي مجازر مهما كان فاعلها وسببها ومبرراتها. ولكن هي مقاربة خطرت في البال وأنا أرى حجم الصمت المخيف الذي حصل، والمؤامرة التي تحاك على الأمة، ومدى قدرة البعض على ارتداء ثوب وخلع آخر بلمح البصر.
في خان العسل الواقع في ريف حلب، والذي لم يكن له من اسمه نصيب، قتل العشرات بدم بارد، ونحر البعض نحرا، نعم نحرا؛ فأي جهاد هذا الذي يجيز أن ينحر الإنسان الإنسان من الوريد إلى الوريد، وأي حقد أعمى يسمح لشخص أن يقتل آخر بدم بارد، وأي جهاد هذا الذي يسمح لأشخاص يتحركون بأمر "الغير" بإقامة الحد على الناس ومحاكمتهم ميدانيا؟ فمن منحهم هذا التفويض بالقتل، ومن أفتى لهم وأعطاهم رخصة لذلك، ومن مولهم ودعمهم إعلاميا، ودافع عنهم عالميا، وزرع في نفوس وعقول أولئك القتلة كل هذا الحقد والكراهية والبغضاء؟
من منح العالم الحق بإرسال زعرانه وإرهابييه إلى سورية ليتحدثوا باسم الدين والإسلام؟
في خان العسل، ظهر العالم على حقيقته، وكشف أن الديمقراطية التي يتغنى بها زعماء العالم الأول ما هي إلا وسيلة وليست غاية؛ كيف لا وهم يؤيدون انقلاب العسكر على الديمقراطية في مكان، ويرفضون تدخل الجيش في مكان آخر؟ كما ثبت لنا أن محاربة الإرهاب الذي صدّعت الولايات المتحدة الأميركية رؤوسنا وهي تتحدث عنها صبح مساء، ما كانت إلا أداة إعلامية لبث الكراهية بين الشعوب، وتصوير العالم العربي والإسلامي بقالب وشكل واحد، وهو شكل الإرهاب والتطرف لا غير.
عندما امتدت يد التنكيل والقتل والإرهاب لخان العسل، غاب العالم أجمع، وتوقفت ساعة الأمم المتحدة عن الدوران، وتعطلت المحطات الفضائية والصحف عن بث ما جرى، وغاب كُتّاب عن القول المباح، وإن جاوز البعض وقال ما جرى، كان قوله مجتزَأ مختصرا لا يضيء كل ما حصل، بخلاف ما كان يحصل عندما تكون شبهة المجزرة واقعة على طرف آخر.
قادة العالم يعانون "شيزوفرينيا سياسية وإنسانية". ففي الوقت الذي يقفون فيه مع الجيش المصري، يرفضون تدخل الجيش السوري لمطاردة وردم أوكار إرهابيين وقتلة دخلوا سورية متسللين من دول الجوار، ليعيثوا في البلد فسادا وقتلا وتدميرا، ويقضوا على أي أمل في الديمقراطية، كان يسعى إليها معارضون سوريون يرفضون تدخل الأجنبي في بلدهم، ويريدون بلدهم ديمقراطيا حرا سيدا، بدون أن يعيث فيه البعض القتل تدميرا وحرقا؛ هؤلاء كانوا يريدون أن يقولوا للعالم أجمع إن الوطن العربي الممتد من المحيط إلى الخليج حضارات مختلفة وفكر ورؤى.
jihad.mansi@alghad.jo
الغد