مستويات القراءة والتعليق في "عمون"
عاطف الفراية
10-01-2008 02:00 AM
المطلع على تعليقات الإخوة القراء (مع حفظ الاحترام للجميع) يكتشف مستويات متباينة لأمور عدة.. منها مستويات الإدراك لدلالات الكلام في المقال أو الخبر وفي التعليق أيضا.. كما منها طبيعة ونوعية القراءة والتي يعكسها التعليق ولغة الخطاب فيه.. ومنها أخيرا مستوى الجديّة في التناول والتعليق.
وبتقديري .. ومما لمسه خميس بن جمعة لدى مراقبتنا للتعليقات في عمون وجدنا ثلاثة أنواع من القراءة أطلقنا عليها: القراءة (وهي متوسطة الوجود) .. والقراءة السيئة (وهي الأكثر شيوعا).. والقراءة الجيدة (وهي الأقل) .ويمكن تبين ملامح هذه الأنواع من خلال استقراء رد الفعل تجاه مسألة تتعلق بدرجة عالية من المكاشفة الحقيقية التي نشأت عليها طفلا وأروج لها منذ بدأت الكتابة في عمون زاعما أنني (وبدعم من خميس) أمارسها بشكل مختلف دون ادعاء.. أصدم شعبي بما أعلم أنه واجبي غير آبه بردود الفعل السيئة ما دمت أبحث عن ممارسة دور حقيقي في تفتيق الوعي لدى القارئ ولو لدى شخص واحد.. وعليه..
سنضرب المثال التالي (المثال هنا واقعي تماما ولكنه ليس موضوع المقال): لو قلت مثلا.. إنني عايشت أكثر من انتخابات برلمانية كان المرشح فيها على الدوام في قريتنا من الحركة الإسلامية.. وكل أهل القرية يعرفون ولا أحد منهم ينكر أننا دائما نمارس العمل الانتخابي بفزعة عشائرية الغاية فيها تبرر الوسيلة.. والغاية هنا هي إنجاح المرشح بأية وسيلة.. وكنا نصوت عن الأموات.. وعن أصحاب البطاقات غير الحاضرين من العسكريين وغيرهم. ومن استطاع أن يصوت ببطاقته أكثر من مرة يفعل.. والحركة الإسلامية تعلم ذلك وتمارسه.. بل إن القادة على مستوى المحافظة يجتمعون ويخططون ويتفقدون بطاقات الأموات وينظمون العملية.. وحتى لا (أحط في ذمتي) لا أعرف إن كانوا يمارسونه في عمان أيضا أم لا.
وأمام تلك الحالة يخرج علينا أحد القادة الحركيين ليقول إن سبب خسارة الحركة كانت تسهيل الحكومة لتلك التصرفات التي استفاد منها المرشحون المنافسون. بينما نحن لم نفعلها لأنها (((حرام شرعا)))!!
أمام مثل هذا التصريح لا يملك المكاشف إلا أن يقول: إما أن يكون هذا القيادي (لا يعرف ما يجري في دوائر مرشحيه) وهذا مستبعد.. وإن صح أنه لا يعلم فهي كارثة.. وإما أنه يعلم.. وبهذا يكون كاذبا كذبا عمديا. إضافة إلى (تجيير الفتوى).
لصالح موقفه. وهذه كارثة أيضا. أعني الفتوى بتحريم تكرار التصويت وهو ما مارسه مرشحوه ولا أحد منهم يستطيع إنكاره بل هو عرف سائد وعادي. فلا أحد يمتلك فرصة لرفع أصواته ويتركها لأنها حرام..!
وفيما تقدم كما تلاحظون لا يوجد إطلاق حكم من الكاتب . بل الموجود هو تحليل حالة . ووضع احتمالين ولا يوجد احتمال ثالث. إما جاهل أو كاذب. وهذا استخدام طبيعي لألفاظ اللغة العربية التي وجدت لتدل على معاني. فإطلاق صفة (كاذب) على من لا يقول الحقيقة ليس هجوما.. بل هو (مجرد وصف يتمتع بدرجة مكاشفة عالية ويبتعد عن المجاملات الفارغة التي تسمى زورا بالدبلوماسية).
هنا..أصحاب القراءة من المستوى الأول سيمرون على هذه الفقرة مرورا سريعا. وقد لا يعلق أحدهم وإن علق سيكون تعليقه كلمة عابرة. أو يبتسم أحدهم هازئا ويقلب الصفحة.. الخ
صاحب القراءة الجيدة هو الذي ينظر في الفقرة السابقة بغض النظر عن صاحبها .. ثم يختلف مع ما جاء فيها إذا كان قد شهد عكس ما شهد الكاتب.. وفي اختلافه لا يفقد احترامه للآخر.. وقد ينفي ما في النص جملة وتفصيلا أو يسوغه بمنطق معين يجعله يختلف معك تماما دون أن يسيء.. أو يتفق ويفسر ويضيف دليلا على صواب الفقرة.. وفي الحالتين يجبرك على احترام رأيه (وإن كنت أنا وخميس نحترم كل الآراء حتى التي تشتم)
وهذا النوع من القراءة الإيجابية تحتاج إلى تدريب للنفس على الحياد والموضوعية والتخلص من الأفكار المسبقة.. وفي الخطاب الديني تحتاج إلى(جهاد نفس لإجبارها على الاستقامة) على أساس قول الله تعالى (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى) أي لا يجعلك كرهك لشخص أو لموقف ألا تنصفه. لأن التقي عادل حتى مع خصومه.
أما أصحاب القراءة السيئة وهم الأكثر وهم هنا مناط الحديث والذين ليس لديهم الاستعداد للتفكر في الفقرة أو البحث الدقيق في مواطن ما يمكن نقاشه أو إثباته أو نفيه فيها.. أحيانا يكون واحدهم قد اتخذ موقفا مسبقا من الكاتب. أو موقفا معاكسا تماما من الجهة الموجه إليها النقد. أي أنه يراها فوق النقد.. فيسارع إلى عبارة: أنت تهاجم.. أو تفتري.. الخ.. وهو (أي القارئ) يعلم تمام العلم أن هذه السلوكيات تحدث.. بل قد يكون مارسها فعلا. لكنه يراها من حقه وليست من حق غيره.. حرام على غيره وحلال له. ويرى أن الكاتب أيا كان لا يملك الحق في توجيه نقد للقيادي الذي هو دائما صادق ودائما على صواب. وأي نقد له هو هجوم وموقف عدائي..الخ وقد يبالغ في رد فعله فيقفز في تعليقه اتهام بالعمالة أو التكسب ..الخ. وبهذا يكون تعليقه منفصلا عن النص. لأنه مشغول بصاحب النص.
وأصحاب القراءة السيئة يمارسون تناقضات مضحكة أحيانا . فأنت مثلا إذا امتدحت انتصار حزب الله أو عمليات معينة لحركة حماس ضد الكيان الصهيوني .. أو اعترضت على شتم خالد مشعل أو زكي بني رشيد من باب أن الشتم حجة الضعيف فأنت صفوي وتحب إيران (على اعتبار أن حب إسرائيل أمر عادي) وإذا كان لك موقف مخالف من البعث فأنت في السلّة نفسها..أيضا صفوي، ولكن في نفس الوقت عميل للسفارة الكويتية. وإذا احترمت مهنية محطة الجزيرة فأنت ضد الوطن! وإذا خالفت بعض الفتاوى الفقهية فأنت تحارب الإسلام. وإذا انتقدت النظام القبلي فأنت مع الفجور والتعري.. ومثل هذا كثير.
وعلى العموم أصحاب القراءة السيئة لا يرون إلا لونين فقط للحياة. الأبيض والأسود. مما يذكرني دائما بالفنان عادل إمام وشهادته في المحكمة .. يا ابيض يا اسود.. وطبعا لا أنسى أنه (ما شافش حاجة) ويبدو أنهم مثله . وعلى العموم اشتهر شعبنا بعبارات شهيرة يقولها غيبا دون أن يكون لديه مؤشر على صحة شيء . من مثل (خذ مني الصافي) (بقص إيدي إن ما كان فلان كذا) وهكذا دائما جاهزون لإطلاق الحكم حتى ضد من يدافع عن خبزهم المنهوب.
http://atefamal.maktoobblog.com/