تجارة المقابر .. أكرام الميت سرقته ..
المحامي محمد الصبيحي
30-07-2013 04:28 AM
شخصيا ( قرفت السياسة ) فما يحدث في عالمها شيء يخل بتوازن العقل , الصحف تفيض بمقالات السياسة وكل يدلي برأي أو تحليل فيما يجري في منطقتنا .
منذ سنوات والكل ( يحلل ) والكل له نظرة ( استراتيجية ) ولذا فان الممتع الان في السياسة أن تعود الى أراء المحللين والكتاب التي نشروها قبل عامين أو ثلاثة يستقرؤون الواقع – في حينه – ويحددون ملامح المستقبل , وتقارن ما كتبوا بما آلت اليه الامور وستضرب كفا بكف أو تنقلب من الضحك اذ لن تجد كاتبا أو محللا سياسيا واحدا في طول وعرض العالم العربي أقترب قيد أنملة في تحليلاته السابقة بما حدث على الارض الان , وبصراحة أكثر مع الاعتذار لكتاب العرب فان كل ما كتبوه كان ( خرط حكي ) وما حدث لم يكن يخطر على بال أحد منهم .
ماالذي سيحدث في مصر بعد شهرين ؟؟ وما سيكون الحال عليه في سوريا بعد ثلاثة أشهر ؟؟ كل يوم نقرأ تحليلات ومقالات بهذا الخصوص ولكني على ثقة أن أحدا لا يستطيع أعطاء أجابة شبه دقيقة .
الحقيقة الوحيدة التي نلمسها كل يوم هي الموت والخبر الصادق موجود في المقابر وكان سيدنا عمر بن الخطاب يضع في أصبعه خاتما نقش عليه عبارة ( كفى بالموت واعظا يا عمر ) كي لا ينسى لحظة الموت فان ذكرها يزهد المرء في الدنيا ويجنبه الخطايا ويقربه الى الله .
ولكن ما بالك بنا ندخل المقابر لوداع قريب أو صديق ونقدم العزاء فلا تهتز قلوبنا خشية مواجهة هذه اللحظة الثقيلة , اليوم فوق التراب وغدا تحته !!
لم تعد مقابرنا مرقدا للأحباء الذين يرحلون عنا ولا مكانا للعبرة والوجل وانما تحولت الى مواقع مهملة في معظم المدن والقرى بينما أصبحت في العاصمة فرصة للتجارة العقارية .
المقبرة الكبرى للعاصمة تقع في سحاب ولدي عدة ملاحظات :
الاولى أن أمانة عمان تبيع أو تخصص مواقع الدفن لمن يرغب بالشراء بسعر ماية دينار للمتر ( مائة الف للدونم ) وما حدث على أرض الواقع أن هناك مافيا عقارية تقوم بشراء عدة قطع ليبدأ الاتجار بها ( بالسوق السوداء ) لمن يريد حتى وصل سعر المتر الى ماية وثلاثين دينارا في حده الادنى
الثانية : أنتشار ظاهرة سرقة البوابات المعدنية لمدافن المواطنين وما يبدو أن مجموعة من المتاجرين بالحديد الخردة وجدوا في مقبرة سحاب منجما للحديد فما أن تبني عائلة مدفنا لموتاها حتى يتسلل هؤلاء لكسر البوابات الحديديه وأخراجها من المقبرة وبيعها , وسرقة خزانات المياه و( الحنفيات ) رغم ما يقال عن وجود حراسة وأسوار للمقبرة , والسؤال الاخطر من ذلك كله هل لدينا تجارة جثث ؟؟ اذا كانوا قادرين على أخراج بوابات حديدية رغم الحراسة فمن يضمن أن جثة فقيد عزيز ما تزال في مكانها؟؟
وثالث الملاحظات : الاهمال وقلة العناية بالمنظر العام والبيئة في المقابر عموما ففي دول كثيرة شاهدنا المقابر أجمل من الحدائق العامة وأنظف وأكثر تنظيما , أما مقابرنا فحدث ولا حرج ونخجل أن يقال أنها بعض المقابر تحوات الى مكاره صحية وأماكن لقضاء الحاجة البيولوجية .
يدفع المواطن ثمنا مرتفعا لقبر عزيز ويدفع رسوما ومع ذلك يقع ضحية السرقة والاهمال والاتجار , ونحن الذين نكرر القول ( أكرام الميت دفنه ) ولكن بعضنا يقول ( أكرام الميت سرقته ) .
حين نودع غاليا نقف في بيوت العزاء ونفترش المناسف ثلاثة أيام ونرث ما ترك ثم ننساه ولا نلتفت الى مثواه الا من رحم ربي .
m.sbaihi@hotmail.com
الرأي