هل نودع الصحافة الورقية؟!
جميل النمري
29-07-2013 04:38 AM
يعتصم العاملون في صحيفة "العرب اليوم" على مدار الساعة أمام صحيفتهم التي أغلقت أبوابها وتوقفت عن الصدور. وقد مرّ قرابة أسبوعين وليس في الأفق أي حل. وأقول بأسى شديد إن فرص عودة الصحيفة متواضعة جدا، والأسوأ أن هناك ما يزيد على مائتي عامل فيها، بين صحفيين وإداريين وفنيين وعمال، يجدون أنفسهم فجأة في الشارع، وهم لم يحصلوا على رواتبهم منذ بضعة أشهر، وجلهم لديهم أسر وأجور بيوت، وكثير منهم لديهم التزامات أقساط قروض. كل ذلك ناهيك عن توفير الخبز اليومي لبيوتهم.
يحمّل العاملون مالك الصحيفة المسؤولية. لكن بغض النظر عن تفاصيل الأزمة التي أودت بالصحيفة، وقرارات المالك، فإنني في الحقيقة أعتقد أن المشكلة موضوعية، ولا تتعلق بهذه الإدارة أو تلك. فالصحيفة كانت تخسر أساسا، وتحمّل المالك السابق العبء لسنوات، ثم انتقل العبء للمالك الحالي الذي أخذ الصحيفة بعد تجريدها من الأصول العقارية التي لم تكف لتسديد الديون البنكية. ولم يكن المستقبل يعد بما هو أفضل، رغم الإرادة التي جاء بها المالك الجديد للنهوض بالصحيفة؛ فالصحافة الورقية تبدو كلها مأزومة، ومستقبلها معتم.
بدأنا بأن طلبنا من الحكومة إنقاذ الصحيفة وضمان استمرارها. والآن، نتخلى عن هذا الطلب، ونريد إيجاد حل ينقذ العاملين، وهم أرباب أسر. صحيح أن الصحيفة منشأة تعود للقطاع الخاص، لكنها منشأة وطنية رئيسة؛ ولم يكن القرار بشأن الصحف اليومية قرارا خاصا. وقبل سنوات، ما كان لقرار بإغلاق صحيفة يومية أبوابها أن يمر والدولة تتفرج، وفي أزمات سابقة كانت الدولة طرفا في معالجة الأمور بهذا الاتجاه أو ذاك. ولكن الآن، ونحن نرى واقع الصحافة الورقية، فلم نعد نرى جدوى من تدخل الدولة لإبقاء صحيفة عاملة قسريا وبخسائر فادحة. وقد يقال إن البلد مليئة بالعاطلين عن العمل، لكن هؤلاء ليسوا شبانا باحثين عن عمل يعيشون عند أهاليهم؛ إنهم أرباب أسر تعودوا على دخل معين، ولديهم التزامات ثابتة، فلا يجوز أبدا أن تشيح الحكومة بوجهها عنهم، بل هناك مسؤولية أدبية وأخلاقية لا نتخيل أبدا أن تتنكر لها.
مع الأسف، يلوح في الأفق نفس المشهد الذي قد تصل إليه صحيفة أخرى، مما يستوجب سلفا وضع استراتيجية للتعامل مع مستقبل يقل فيه الإعلان والاشتراكات، ويقل فيه أيضا عدد القراء. واعترف أنني ذات يوم لم أكن أقبل أن تفوتني قراءة الصحف اليومية الرئيسة، ولم أكن لأخرج من البيت صباحا قبل قراءة "الغد" التي أشترك فيها، وبقيت لسنوات رفيقة قهوة الصباح. لكن الآن أعرف أنني أستطيع في كل لحظة متابعة كل الصحف على الإنترنت؛ إن لم يكن في مكتبي أو في البيت، ففي أي مكان من على هاتفي الخلوي وأنا اتنقل من مكان لآخر.
الاردن من الدول التي كان توزيع الصحافة الورقية فيها ضئيلا نسبة إلى أي دولة بمثل عدد سكانها وتقدمها. وكنا ننتظر ازديادا في التوزيع يعكس التقدم الحضاري! لكن المفارقة أنه قبل الوصول إلى هذا الهدف، ها هو التقدم يتجاوزه ويقودنا إلى نقيضه!
jamil.nimri@alghad.jo
الغد