يبدو أن قدر حاضرنا معشر العرب لا يقل قتامة عن تلك الأيام الكربلائية التي شهدت تقابل السيوف العربية ومنازلة الأخ لأخيه والإبن لأبيه.
فنحن نعيش اليوم على قرع طبول الحروب البينية، ونشاهد على مدار الساعة، تلك الدماء التي تهدر، والأرواح التي تزهق، والحرمات التي تنتهك. لكن ما يدمي القلب ويجرح ما بقي من ضمير» إن كان هنالك ضمير»، هو ان القاتل عربي والمقتول عربي، و في ظل إعلام تحريضي وإقصائي « مقيت» . كل ذلك يجري بلا خوف او وجل من الله عز وجل الذي حرم قتل النفس البشرية إلا بالحق، مؤكداً سبحانه وتعالى على أن من قتلها فكأنما قتل الناس جميعاً. إستقرأ ذلك وأنا أشاهد الدم المصري العربي المسلم، يستباح من أجل اللاشيء.
لقد إستطاع الشعب العربي المصري، كغيرة من الأقطار العربية، أن يستلهم « تسونامي» الربيع العربي ومخرجاته، من أجل وضع حد لذلك الظلم والتهميش والفساد، والوصول إلى اولى مراتب الديمقراطية وتداول السلطة والحكم بإرادة الشعب. وهذا ما كان وسيكون بإذن الله. فمصر تمثل اليوم القائد بلا منازع للأمة العربية، بعد أن خسرنا العراق، وأدخلنا سوريا في أتون حرب لا يعلم مستقرها إلا الله. وبالتالي فإن مصر هي الأقدر على تحطيم أي محاولة للإلتفاف على مخرجات الربيع العربي، او وأد العملية الديمقراطية، اوالإتيان على بصيص الأمل للإنسان المصري والعربي في حياة حرة وكريمة وذات قيمة إنسانية.
صحيح بأن التجربة الديمقراطية في سنتها الأولى قد وقعت في الكثير من المطبات و « الإحباطات» بل والأخطاء، لكن هذا لا يعني، ولا بأي حال من الأحوال، الكفر بالديمقراطية وبالربيع العربي، او تعطيل الإرادة الشعبية وإدخال مصر، الشعب والوطن والدور، في أتون دهاليز المجهول. فالحل لأي خلاف أو إختلاف، قطعاً لا يكمن في الإستقطاب والتمترس خلف الرأي والتعصب له، وإنما بالحوار الوطني والأخوي المبني على المبادئ الأساسية التي جاءت بها ثورة 25 يناير المصرية، وبغير ذلك فالأمة العربية جميعها ، وليس مصر فحسب، ستدخل في نفق مظلم لا قرار له.
وفي نفس الوقت فإننا نقول لكل المشككين في إستحقاقات الربيع العربي، وكل قوى الشد العكسي المتضررة من حالة النهضة العربية الحديثة والمرتبطة ببقايا الإستعمار والشعوبيين وأجنداتهم المدمرة لأمتنا وعقيدتها، بأن الثورة العربية المصرية بدأت لتستمر وتبقى، لأكثر من سبب.
يأتي في المقدمة إرادة الشعب العربي المصري، هذا الشعب الذي يؤمن إيماناً مطلقاً بأن الديمقراطية المعبرة عن إرادته وجدت لتحيا وتستمر، فهو وقودها وإكسير حياتها، وبالتالي فإن إي إختلاف او خلاف في النظرة للحكم وعالمه وفنونه يجب أن يناقش ضمن الوسائل الديمقراطية ومبدأ قبول الآخر وعدم إقصائه، ومن خلال صناديق الإقتراع، وليس بالدماء والتجييش والمنازلة المعطلة لإرادة الشعب ومصالحة.
وبالتالي على جميع المصريين، موالاة ومعارضة، تحكيم العقل والضمير ومخافة الله، و إعطاءه أهل الحل والعقد الفرصة التي تمكنهم من لم الشمل إلى مصالحة تأريخية بين أبناء الشعب المصري، والتي قطعاً ستؤسس إلى مرحلة واعدة لقابل أيام مصر وأمتها العربية الماجدة. فمصر القوية والمنيعة والمتصالحة مع ذاتها، هي رصيدنا الإستراتيجي وأملنا الوحيد وملاذنا الأخير، نحن معشر ضحايا « سايكس-بيكو» وباقي الأجندات الإستعمارية.
ولأن الشعب المصري يملك من المؤهلات الوطنية والقومية والعقيدية، ما يؤهله، ليس لحل مشاكل مصر فحسب، بل للم شمل الأمة العربية من تطوان إلى المحمرة، فإنه لن ينساق خلف أجندات « الشياطين، إنسها وجنها «، ولن يمتشق سيف الإحتراب والإستقطاب وتعطيل إرادته، وإلعاء الإستحقاقات الديمقراطية التي آمن بها. وقطعاً فإن مصر، نظام حكم ومعارضة، وبحكمتهم ومن أجل مصر وعمقها العربي ، سيتجاوزون هذه المحنة إلى رحابة التصالح الوطني والقومي، وحمى الله مصر المحروسة من كل الشرور.
alrfouh@hotmail.com
الرأي