لم يكتف السيسي بالانقلاب على رئيس الجمهورية المُنتخب، والقائد الأعلى للقوات المسلحة، وحجزه في مكان غير معلوم، ومن ثم محاكمته بتهم مثيرة للضحك في تجاوز صارخ للقيم العسكرية المعروفة، لكنه رسخ سياسة الانقسام والاصطفاف عند المصريين، وذلك بالتحريض على المظاهرات المضادة، طلبا لإعطائه الشرعية في الاعتداء على الآخر وقتله من معتصمي العدوية، والسير في إجراءات حرب أهلية باتت محتومة! مما يذكرنا بطلب فرعون من حاشيتة بمباركة قتل موسى عليه السلام(انظر القصة كاملة في سورة غافر آية 26).
لست هنا في معرض الدفاع عن أحد، وما يعنيني بالدرجة الأولى ما ستصل إليه مصر في ظل هذا التحشيد غير المشهود.
من حق المتابع لما يحدث في مصرأن يتساءل: كيف سمح السيسي لنفسة بهذا الخروج الفج ليحرض مُكوّنا مصريا على ضرب مكوّن آخر بسبب الاختلاف معه في الرأي؟! بل يطلب مباركة قتله مع أن ما يملكه من قوانين كافية لفعل ما يريد.
وإذا كان هذا هو الحل الأمثل للتعامل مع الشرعية، والديمقراطية؛ لماذا يُحاكَم مبارك على موقعة الجمل وغيرها إذاً؟!
وبماذا يختلف تصريح السيسي عن تصريحات بوش الابن في حديثه عن الإرهاب الذي ثبت فيما بعد أنه كان الغطاء الشرعي لاحتلال العراق وإفغانستان مع كل جرائم القتل والتدمير التي ارتكبت في هذين البلدين.
إن اتهام معتصمي العدوية بالعنف والإرهاب يدحضه هذا الكم من عدد القتلى والجرحى فيهم، وهذا يثبت أن الفئة الباغية هي التي ارتضت أسلوب العنف والإرهاب، وليس الشباب الصغار الذين رأيناهم معفرين بالدماء على شاشات التلفاز بعدما أطلقت قوات الأمن الرصاص على رؤوسهم وصدورهم، واقتحامهم المسجد للقبض عليهم.
وإذا كان الاعتصام السلمي الذي يبيحه الدستور بات محرما اليوم – مع اعترافي بعدم نجاعته- فكيف كان مقبولا من أجل إسقاط مبارك، الذي أفاد السيسي منه في الوصول إلى ما أصبح عليه اليوم؟!
ثم من الذي أعطى السيسي كل هذه الصلاحيات؟! وأين هو رئيس الحكومة الجديد، ورئيس وزرائه ونوابه؟! أم أن هذا ليس بانقلاب عسكري؟!
وإذا كان مرسي متهما بالفرار من السجن، فكيف سُمح له بالترشح، ولماذا قبل منه السيسي الإطاحة بالطنطاوي، وتعيينه بدلا منه قائدا عاما للقوات المسلحة، أو ليس ما هو قائم على باطل هو باطل أيضا؟!
وهل أصبح الاتصال بالجارة العربية غزة تخابرا يتهم بها رئيس دولة عربية؟! وهل تملك غزة المحاصرة منذ سنين طويلة لعمل كل ما اتهمت به؟! وأين هي القوات المصرية، ومَن منعها من الوقوف، بوجه الغزيين، والدفاع عن أمن مصر، ثم ألم تتخابر حكومات مصر منذ حكم السادات مع الجميع من قبل؟!
لقد فاز مرسي في الانتخابات بما يزيد عن الخمسين بالمئة، وهذا يعني أن ما يقارب من نصف الشعب المصري لم يرض به حاكما، واليوم الشعب منقسم إلى حشدين كبيرين، ولن تستطيع فئة استئصال الفئة الأخرى، وبات من المؤكد أن فوضى الشوارع، والاحتكام إليها غير مجد البتة، فأين هم حكماء مصر، وهل يستطيعون إعادة الفرقاء إلى طاولة المفاوضات، وحماية أمن مصر وشعبها؟!