الشرعيّة بين الصندوق والممارسة (3/3)
أ.د عمر الحضرمي
27-07-2013 03:54 AM
تَطَاول الحديث في مقطعيه السابقيْن، حتى وصلنا إلى متاهة من التخبّط والتّرهل الفكري، وتجاوُزْ المفاهيم الدينية ومقاصد الشريعة، فرحنا نتسامر مع أوهامنا وتخريفنا. ففي مصر يقول أحد عناصر الإخوان المسلمين، والذي يُبْدي مظهره الخارجي الوقار، ويشي بأن الرجل عليم حصيف مطّلع مثقف مملوء بالحكمة والدراية والفهم، قولاً وكأني بسيدنا أبي حنيفة حين سمعه يقول «آن لأبي حنيفة أن يمد رجليه».
هل نصدّق أن حُكْماً يقوم على أعمدة من الرجال الذين يتحدثون بالتخاريف والقصص التي لم تغادر مطارح الجاهلية والجنون؟ أهل نصدّق أن مئات من الناسِ يهتفون بنداء «الله أكبر» وهم يستمعون إلى شيخ خَرِف يسرد لهم رؤية امرأة في المدينة المنورة تقول، على حد روايته، إن سيدنا جبريل عليه السلام قد نزل على مسجد رابعة العدوية ليثبّت أنصار المرشد ومرسي؟ «هل هذا أمر يصدق»؟ ويذهب سيدنا الشيخ ليقول إنه رُؤي في المنام أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نزل إلى الأرض واجتمع في المسجد مع المؤمنين الذين انتظروه ليؤمّهم، إلا أنه قدّم على نفسه محمد مرسي» وعندها ضجّ الحضور بالتهليل وبالتكبير. ناهيك عن حُلْم الثماني حَمَامات الخضر؟ أما شيخنا أبو بركه المستشار القانوني والقيادي بحزب الحرية والعدالة فقد قال إن الانقلاب على الرئيس المعزول محمد مرسي لا يقل جريمة عن الشرك بالله.
هل انحدر بنا علم إدارة الدولة إلى درجة إعادة بناء الصنم؟ وهل أصبحنا ندير الأمور من خلال ضاربات الودع؟ وهل من الوفاء للرموز الإسلاميّة الطاهرة النقيّة، أم هل هو من المعقول، أن يقول أحد علماء الإخوان الذي يحمل أعلى الشهادات إن ما جرى «يحاكي قصة سيدنا عثمان بن عفان عندما حاصره الظالمون ليتنازل عن الخلافة، فأبى أن يخلع قميصاً ألبسته له الأمة، وكذلك كان مرسي، وفي رباطة جأش وقوّة شكيمة وثبات قلب له قال: سأبقى أنا الرئيس الشرعي، فارفعوا رؤوسكم أيها الإخوة والأخوات في كل مكان».
أهكذا تدار الأمور يا سيدي الشيخ؟ أهكذا نُنْزِل من مقدار سيدنا عثمان ذي النورين رضي الله عنه، عثمان الذي ورد عن سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم قوله فيما معناه إن الملائكة لَتَسْتَحي من عثمان، ليتساوى بزعيم فشل في قيادة مصر، وأسقطها في انهيارات مرعبة خلال اثني عشر شهراً فقط؟ مع أن هذا الأمر يبدو بسيطا أمام ما ذكرنا من تخاريف وتجاديف ظهرت على الساحة.
سادتي الشيوخ أنصح لكم، وأنا اعترف أني أقل منكم قدراً وعلماً، ولكني مواطن عادي وأؤدي الصلوات على أوقاتها وأصوم ستاً من شوال بعد رمضان واعتز بانتمائي لديني وبلدي وأهلي، أنصحكم أن تُعيدوا قراءة فكركم الذي انزلق، للأسف، في مهاوي الجهل، بعد أن ادّعيتم أن حكام مصر السابقين هم أصحاب حق، وأن الشعب كلّه وإن اجتمع في جبهة واحدة، لا يملك حق تنحيتهم عن السلطة. وللأسف مرّة ثانية، إن الرد الإخواني على المطالبين بإنهاء حكمهم الفاشل، هو الاستمرار في نفس المعالجة التي بدأت منذ أربعين سنة، والتي تمثلت في استخدام القوّة المفرطة والهمجيّة غير الحضارية، وفي القتل والتدمير والترويع والتهديد.
وهنا أود أن أعيد إلى أذهانكم ثانية قصة هتلر الذي حقق سيطرته على مقاليد الحكم في ألمانيا عام 1933 من خلال مرحلتين رئيسيتين؛ الأولى مرحلة التمركز في السلطة، فبعد انتخابه مستشارا لألمانيا استغل ما نصّت عليه المادة 48 من الدستور الألماني التي خوّلت للمستشار فرض حالة الطوارئ في البلاد لحماية النظام الديمقراطي من الانهيار. وكان الغرض من وضع هذه المادة في الدستور هو تفادي أي ثورة شيوعية قد تحصل في ألمانيا، حيث قام هتلر بإقناع رئيس الجمهورية في حينه المارشال بول فون هندربرج بإصدار مرسوم جمهوري يقضي بتخويل وزير الداخلية وأجهزة الشرطة والأمن صلاحيّة منع أي تجمع عام أو مظاهرة قد تؤثر على الأمن الداخلي. بعدها بدأ هتلر المرحلة الثانية والتي تمثلت في تصفية معارضيه بشكل تدريجي ومدروس تمهيداً للسيطرة الكاملة على زمام الأمور وفرض ديكتاتوريته واستبداده.
سادتي الشيوخ ليس عيب أن نفشل، ولكن العيب كل العيب، أن لا تعترف بأنك فشلت عندما تفشل!
إني لأرجو أن نعظّم عقولنا التي امتنّ الله بها علينا، وأن نعود إلى رشدنا وأن نتقي الله في أوطاننا وبلداننا وفي أهلينا، وأن لا نلجأ إلى التهديد والتخريب والتلفيق والتخريف وعدم الصدق عندما تقول لنا غالبية الشعوب إننا لم نعد نطيقكم.
الرأي