في بِر الجامعات وأهلها نقول ... دمتم "أهلا" لنا !
ربما لا أجد أجمل عملا يتقرب اليه الغرب الى الله, من عظيم منابر جامعاتهم وصروح معارفهم وفخر علومهم, ولعلي لا أجد أفضل عملا قدموه للانسانية كتلك التي منحوها لرواد أفواج العلم من شتى أصقاع المعمورة, ومن شتى الأصول والمنابت والعرق والدين... كل هذا في "ميزان حسناتهم" ... ان شاء الله!
ما من عام أو عامين, الّا وجرس الباب يقرع ... ببريد الكتروني من هذه الجامعة أو تلك... ليطمئن عن حالنا وأحوالنا ... وأين نحن ... وكيف نحن ... واين وصلنا بانجازاتنا ... وأين وصلت انجازاتنا بنا... جرس لا يهدأ .... بريد لا ينضب ... رسائل لا تنقطع ... حب لا يعرف اليأس!
كثير من المناسبات التي لا زلت اتذكرها الى اليوم وكان لها الوقع في نفسي الى اللحظة .. سأذكر منها تجربتين ... تجربة لي من جامعة ورك و البرفيسور بيتر بيرنيل ... وتجربة من كلية سيتدل والبروفيسور ايموري ...
بيتر بيرنيل: "ضابط" أكاديمي انجليزي مخلص ... لا يعرف "كل شيء"!
بيرنيل والوقت:
لو اختلف الوقت مع نفسه يوما وتذمّر ... لصحّح قوامه وزجره هذا الانسان ... ضابط لعقارب الساعه بعينيه... يمشي والساعة على مسافة واحده على قدر وساق ... تنظره ولا ينظرها ... ضابط اكاديمي بارع بامتيار... مخلص لجامعته وطلابه ... بكل ما في الكلمة من معنى!
بيرنيل والطلاب:
يبدأ هذا البرفيسور محاضراته دوما بسؤال ... ويُنهيها بسؤال... وسؤال يُفضي الى سؤال ... وكل سؤال بالطبع يُفضي الى حوار ونقاش وجدال .. وهو ففط يستمع ... ثم يُدير المحاضرة بسؤال اخر واخر واخر حتى تحقق مسار المحاضرة اهدافها كما وضعها البروفيسور في مخيلته من دون ان نشعر ... في جو الحوار والنقاش والحماس...كل اراء ومداخلات الطلاب كانت في غاية من الأهمية بالنسبة له, يدِّون في كراسته ضعفي ما يدونه الطلاب من نقاش ومداولات, يستمع لكل صغيرة وكبيرة, ويكيل بالمديح والاطراء لجميع الطلاب ليرفع من شأنهم وشأن فكرهم وثقتهم في أنفسهم ... بغض النظر عن نوعية وكمية المداخلات التي تمت من كل طالب في المحاضرة... فكل طالب عنده سواء!
ثقته بنفسه ... بيرنيل لا يعرف كل شيء!
ولكن ما استوقفي في اكثر من مناسبه, انه في بعض الاحيان عندما يطرح بعض الطلبة الأسئلة عليه, فيجيب بكل ثقة وبدون اأي تردد ... "لا أعرف ... سوف اسأل زميلي –ويذكر اسمه- وسأعود بالاجابة اليكم في المحاضرة القادمة!! يقولها هذا البروفيسور الذي يكون أعظم باحث في علوم المساعدات الدولية والديموقراطيه بوجه الخصوص ولو قام احدنا بالبحث عن اعماله في "جوجل" لرأيت العجب العُجاب لاعمال وابحاث ودراسات هذا الرجل!!
بيرنيل يستثمر في الطلاب!
عشية فتره الامتحانات, وحيث القلوب بلغت الحناجر عند الطلاب, لا زلت اتذكر قولته المدوية لنا دائما ... "تذكروا دائما أننا نستثمر فيكم... انتم استثمارنا"!!! الرجل الانجليزي هذا يستثمر في ابناء غير جلدته ... فأي غيرة وأي حب وأي انتماء مزروع في شخص هذا العالم المتواضع الرائع!! فعلا لو عرفنا كيف نستثمر بطلابنا ولو بكلمة, وليس بكثرة الاموال والسياسات, لما وصل حال طلابنا الى ما نحن عليه اليوم! فأيُ نُضح فكري وحضاري يمتلكه هذا الانسان ليختزل جميع الحضارات والثقافات الاخرى ليستثمر بها؟! ونحن لا نستطيع ان نستثمر في ابناء ثقافتنا وجلدتنا اليوم؟!
البروفيسور ايموري ... رئيس قسم اللغة الفرنسية/ كلية سيتدل العسكرية!
الكلية الأقوى بلا منازع, كلية سيتدل, اربعة سنوات رأيت فيها من ايات ربي الصغرى والمتوسطه, دخل سريتنا في السنه الولى اربعون وتخرج منها حوالي 17 وبالكاد انهيناها .. وما كنّا فاعلين!
أذكر انني ذهبت الى بروفيسور ايموري يوما, اشكو اليه ضعفي في اللغة الفرنسية كمتطلب لغات أجنبية لجميع الطلات وفي اربع مواد لكل لغة, وانني استصعبها جدا ... وقلت له " يا سيدي بروفيسور ايموري, ان اللغة الفرنسية هي اللغة الثالثة لي والثانية للطالب الاميركي.. وهذا ليس من العدالة في شيء... يكفيني أن أدرس الانجليزيه كلغة ثانية لي ... مساواة وأسوة بالطلاب الأميركيين".. هناك ضحك البروفيسور وبدأ بالقهقهة .. وانا أصبحت في غاية الخوف كوني لا أعلم ما تخفيه هذه القهقهة!! قال لي بعدها .. اذهب وعد الي بعد اسبوعين. فقط عدت اليه بعد اسبوعين واذ هو يخبرني بأن مجلس الامناء واصحاب القرار في الجامعه, قد أخذوا في شكواي ومنطقي, وقاموا باصدار قرار يُعفي كل طالب أجنبي من دراسة اللغات الاجنبيه عدا الانجليزيه على أن يدرسوا مواد اختيارية تغطي عدد ساعات اللغات الاجنبيه التي كان عليه دراستها!
هذه الكليه العريقه أخذت بمنطق طالب في العشرين من عمره, قدرته خير تقدير واحترمت فكره ومنطقه ... فأخذت به وفي ثلاثة اسابيع لا أكثر! لا غرابة كيف تنهض هذه الأمم وتستقيم ... ليس الانسان فحسب, ايا كان منبته, بل في فكره وعقله ومنطقه ايضا محترم!
في الخاتمة: من لا يشكر الناس .. لا يشكر الله!
كيف لي أن لا أشكر الله أولا ... لأشكره ثانية لشكر الناس .. ... وكيف لي أن لا أذكر أعلام جهابذه كهؤلاء! أحمد الله حمدا كثيرا أن هيأ لي ... من رجالات العلوم خيارها ... و من مؤسسات النور أجمل أطيافها ... وخصني من عبق المعارف ... صفوة عطرها.
تحية الى تلك المؤسسات وهؤلاء العلماء الأشاوس... الذين لا يكِلون عطفا ولا يملون جهدا في السؤال عن "أبنائهم" و"أحوال رعيتهم" ... بعد سنوات وسنوات من "قبلة" الوداع ... تحية خالصة الى جميع أساتذتي في جامعة ورك البريطانية وكلية ستدل العسكرية الاميركية... والى جميع من ساهم في الوصول الى ما انا ونحن عليه .. في الداخل من أهلي ... وفي الخارج من "أهلي" ... ولو بشق تمرة!
Dr_waleedd@yahoo.com