هل بدأ العد العكسي لطهران؟
د. رلى الفرا الحروب
25-02-2007 02:00 AM
طلبت إسرائيل من الولايات المتحدة الأمريكية زيادة مليار دولار لميزانيتها "الدفاعية"، وسيزور خلال الأيام المقبلة وفد إسرائيلي برئاسة محافظ بنك إسرائيل العاصمة واشنطن لحشد التأييد والدعم المطلوبين لإنجاح هذا المطلب.
ما هي المبررات الظاهرية لهذا المطلب؟قدمت إسرائيل الحجج التالية:
- مواجهة انعدام الاستقرار السياسي والعسكري في لبنان، وخطر التدهور في الحدود الشمالية لإسٍرائيل.
- انعدام الاستقرار حيال السلطة الفلسطينية وإمكانية التطرف في المناطق الفلسطينية.
- التحول النووي الإيراني والدور المتعاظم لإيران في المنطقة.
ولكن، من بين المبررات السابقة، يبقى الأخير هو المبرر الأكثر أهمية، لأن المبرر الأول ليس إلا خدعة للترويج والابتزاز المالي فالحدود الشمالية لإسرائيل ليست مهددة في ظل وجود قوات أممية تحميها، وحكومة لبنانية ملتزمة بالمواثيق الدولية ولا تريد أي مواجهة مع إسرائيل، أما فرص حزب الله في تحقيق نصر سياسي على الأرض فما زالت ضئيلة بسبب شد القوى العكسي الذي يفوق في حجمه وتأثيره حجم وتأثير قوى المعارضة التي يتزعمها حزب الله والتيار الوطني الحر. ثم ما الحكمة من الإتيان بكل تلك القوات الأممية وصرف كل تلك المبالغ من ميزانية الأمم المتحدة، إن كانت إسرائيل ستبقى مهددة وتدب الصوت من خطر حزب الله، وتحمل الميزانية الأمريكية والمواطن الأمريكي نتائج تلك الولولة؟
أما المبرر الثاني فهو قمة الكوميديا، لأن مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية يكفيها واحد بالمائة أو ربما واحد بالألف من إمكانات الجيش الإسرائيلي الحالية ( من السلاح التقليدي) لإبادتها عن بكرة أبيها، وليست في حاجة إلى المزيد من التسلح لمواجهة المدنيين والعزل وجماعات المقاومة التي تستخدم أسلحة بدائية لا تضاهى بما يملكه الجيش الإسرائيلي، ولا تملك مواطئ أقدام لتنفيذ أي عمليات هجومية فعالة أو مؤثرة داخل إسرائيل.
يبقى المبرر الأخير هو مربط الفرس، طبعا مع الأخذ بالاعتبار أن المبرر الأخير هذا يدخل في تكوين المبررين الأوليين بشكل أو بآخر. ولكن، هل لإسرائيل مبرر حقيقي للخوف من إيران؟
تشير كل التقارير الاستخبارية – باستثناء تقارير الموساد- إلى أن إيران أمامها على الأقل سبع سنوات أخرى كي تصل إلى تقنية القنبلة الذرية، بفرض توفر كافة اللوازم المتاحة لتصنيع تلك القنبلة (وهو أمر ليس بالهين في ظل الرقابة المشددة على حركة تلك المواد، وسيصبح أكثر صعوبة مع قرارات الحصار الاقتصادي الجديدة)، وتشير تلك التقارير إلى أن كثافة تخصيب اليورانيوم التي تمارسها إيران حاليا لا تتجاوز 4% في حين أن الكثافة اللازمة لتصنيع القنبلة تتطلب 90%، كما أن كميات الوقود النووي المستهلكة حاليا في المفاعلات الإيرانية لا تثبت وجود أي نشاط مشبوه.
وحتى لو توصلت إيران إلى صنع القنبلة هذا العام، فإن أمامها مسيرة طويلة لبناء ترسانة نووية على غرار مثيلتها الإسرائيلية، مع ملاحظة أنها في كل الأحوال لن تستطيع اللحاق بتلك الترسانة المتفوقة أصلا بمسافة ثلاثين عاما، والتي ستستمر في التفوق خلال الأعوام القادمة.
وهذا يعني أن إيران لا تشكل خطرا حقيقيا على إسرائيل، حتى إن أرادت ذلك، والسلاح النووي الذي تسعى إلى حيازته إيران – إن كانت حقا تسعى إلى حيازته- لن يخدم إلا هدفا واحدا هو الردع، لأنه لا يستطيع أن يخدم أهداف الإزالة أو المسح عن الخارطة مما روجت له إسرائيل إعلاميا مستغلة بعض العبارات الواردة في خطابات نجاد.
إذا، المليار الإضافي لميزانية الدفاع لن يخدم أهداف الردع أو تلك المبررات الوهمية، وإنما سيوجه على الأغلب لشن حرب على إيران، ليس لأنها قوة ضخمة مرعبة حاليا، بل لأنه غير مسموح في هذه المنطقة بوجود أي عملاق سوى إسرائيل، وعلى الآخرين جميعا أن يكتفوا بدور الأقزام، وغير مسموح لأي كان أن يرفع رأسه ويكون تحالفات أخرى غير الحلف الإسرائيلي- الأمريكي أو يلوح باحتمالة الاستقلالية في اتخاذ القرارات إن على المستوى الداخلي أو الخارجي، وقد كان الدرس واضحا مع صدام، وسيكون أوضح مع نجاد.
التقارير الواردة من الصحف البريطانية كالغارديان والتايمز وبعض الصحف الأمريكية كالواشنطن بوست والنيويورك تايمز والمنسوبة لخبراء عسكريين ترجح في معظمها وجود بوادر حرب على إيران، وإن كان من غير المعلوم حتى اللحظة إن كانت أمريكية مباشرة أو إسرائيلية بالوكالة عن أميركا!
والتحركات العسكرية الأمريكية في الخليج وزيادة حجم الاليات العسكرية المحورية هناك والميزانية الإضافية التي طلبها بوش لما سماه إعادة الاستقرار إلى العراق، بالإضافة إلى خطط انسحاب الجيش الأمريكي والبريطاني من الشوارع والاحتكاك المباشر مع العامة في العراق إلى الأماكن الاستراتيجية والأمنية فقط كالمطارات والموانئ، كل ذلك يشي بحرب في الأفق.
هل تشنها أميركا؟
تحركات الكونجرس المناوئة والإزعاج الحقيقي الذي يسببه الديموقراطيون لإدارة بوش حاليا، بالإضافة إلى الرفض الشعبي لسياسة هذه الإدارة وتبرمه من أخطائها القاتلة في العراق، وما تسببت به من كوارث أرهقت الضمير الأمريكي والعالمي قد تحول دون ذلك، ومن ثم فإن احتمالات شن إسرائيل تلك الحرب تصبح أكثر جدية، وهنا يبدو رقم المليار الإضافي لميزانية "الدفاع" الإسرائيلي مفهوما.
ومن الواضح أن الدول المجاورة كلها قد التقطت الرسالة أيضا، فسوريا تعزز الآن حشودها على الجولان بدعم إيراني حسب التقارير الواردة، ووقعت صفقة مؤخرا لاستيراد مضادات متطورة للدبابات وصواريخ بعيدة المدى من روسيا، وكانت قد حاولت سابقا الحد من أعداد العراقيين الفارين إليها باعتبارهم عنصر عدم استقرار في حال نشوب أي حرب قادمة، والعراق يحاول أن يؤمن حدوده ويشل أذرع المقاومة في الداخل لمنع تدهور الوضع بعد الضربة المقبلة، ويرسل عشرات الآلاف من رعاياه (شيعة وأكرادا) إلى إيران ، ليس فرارا من أي اضطهاد في الداخل، بل تمهيدا لزعزعة النظام بالتحالف مع بعض القوى الداخلية المعارضة وبالتزامن مع أي ضربة قادمة، والباكستان تقوم بتجارب لإطلاق صواريخ طويلة المدى يمكن أن تحمل رؤوسا نووية، والهند منعت الاستيراد من إيران والتصدير إليها، وتركيا عززت قواتها على الحدود العراقية والإيرانية منذ أشهر، وإيران تقوم بمناورات عسكرية وسياسية ردا على كل ما تقدم، والأردن يفكر بإعادة الخدمة العسكرية الإجبارية ولو لمدة ثلاثة أشهر، ليس من باب تعزيز القيم الاستقلالية والانضباطية فحسب كما هو معلن، بل ربما من باب تهيئة جيش شعبي للدفاع عن الأردن في أسوأ السيناريوهات القادمة!
علاوة على التحركات السابقة، تقوم الولايات المتحدة بنشر دروع مضادة للصواريخ في أوروبا في رسالة تحذيرية لروسيا لمنعها من أي تدخل غير مرغوب، ونجحت مؤخرا في إخراج كوريا الشمالية من أي حلف محتمل، وإن كانت الصين ما زالت تقوم بأدوار مقلقة أمريكيا فيما يخص تجارب الأقمار الصناعية وتنامي منظومتها العسكرية، وقامت بتعزيز القدرات النووية الهندية بشكل غير مسبوق عبر اتفاقيات أثارت الكثير من الجدل حول جدواها للداخل الأمريكي.
أمام ذلك كله، لنتذكر أن أميركا ترأس قوات حلف الناتو في أفغانستان الآن، وأن إيطاليا سترأس القوات الأممية في لبنان مع بداية نيسان، وإن كانت الأمور الداخلية في تشكيل الحكومة لا تبدو متجهة في الاتجاه الأمثل بالنسبة للأمريكيين الذين لا يريدون برودي رئيسا للحكومة.
إذا، هناك حرب على الأبواب، قد تشنها إسرائيل بمباركة ودعم لا محدودين من أميركا، وقد تشنها أميركا وإسرائيل مجتمعتين، أو قد تشنها أميركا منفردة في أحسن الأحوال، ولكن، ما هو موقفنا هنا في الأردن إزاء ما يحدث؟
تصر القيادة الأردنية محقة على انتزاع نصر على صعيد القضية الفلسطينية يعيد للفلسطينيين بعض حقوقهم وآمالهم المسلوبة في إقامة الدولة، باعتبار أن هذا البديل هو أقل ما يمكن قبوله إزاء المخطط القادم المرشح لزلزلة المنطقة. وقد صرح بعض رجال الكونجرس الأمريكي وبعض السياسيين الفاعلين للصحف الأمريكية في فترات متفاوتة خلال العام الماضي عن إمكانية تقديم تنازلات على المسار الفلسطيني- الإسرائيلي مقابل التعامل مع الوضع الإيراني، وتبدو تحركات رايس مقدمة لذلك الحل المزمع، وإن كان مقدار فاعليته مرتبطا بالدول العربية الفاعلة وقدرتها على تنسيق موقف موحد لانتزاع أفضل ما يمكن انتزاعه، خاصة في ظل زيارة قادمة هامة لأحد الزعماء العرب للكونجرس الأمريكي تأتي على ما يبدو ضمن سياق لوضع النقاط على الحروف.
في المقابل، فإن بعض الجهات في الداخل الأردني تخطئ خطأ فادحا إن هي استمرت في تجييش الإعلام الأردني ضد إيران بالكيفية الحاصلة حاليا، لأن هذا يحولنا إلى دولة عدو على القائمة الإيرانية ويجعلنا من ضحايا الانتقام المباشر لطهران في حالة نشوب تلك الحرب المزمعة، خاصة وأن إيران سبق وأن حذرت من ضرب المصالح الأمريكية في كل مكان، ودول الجوار وأولها الأردن ستكون أهدافا محتملة لمثل تلك الضربات.
وقد تنبه المسؤولون الخليجيون إلى ذلك على ما يبدو، بدليل الأدوار الإيجابية الأخيرة للملكة العربية السعودية إزاء الملف اللبناني وحزب الله، والملف الفلسطيني وحماس، والدبلوماسية المكثفة مع طهران. وحتى الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي صرح أمس الأول تصريحا غريبا ومختلفا في نبرته عن كل النغمات السابقة للمسؤولين الخليجيين حين قال إنه يثق بسلمية نوايا البرنامج النووي الإيراني، ولكنه قلق من عدم موافقة إسرائيل على إخضاع برنامجها للتفتيش الدولي!!!!
وهذا يعني أن الدول الخليجية قد استيقظت هي الأخرى مع اقتراب موعد الضربة لإيران وتحاول تخفيف وطأة وتداعيات ما سيحدث بإظهار نفسها في موقع المتعاطف – ولو متأخرا جدا- مع طهران!
من صالح كل الحكومات العربية إفساح المجال للشارع للتعبير عن توجهاته بعفوية ودونما خلق حالات متأزمة من العداء مع إيران، ومن صالح الأردن تحديدا إفساح المجال لبعض الكتاب للتعبير في اتجاه مضاد للاتجاه المحتقن السائد.
في الحرب الأخيرة على العراق كان للحكومة الأردنية توجهات ضد الشارع، ولكنها أفسحت المجال للشارع والكتاب للتعبير ضد توجهاتها، مما أظهر الشارع متعاطفا مع صدام رغم أن ذلك لم يكن سياسة الدولة، وقد نجح ذلك في تقوية الأوراق التي تمسكها الحكومة باجتذاب أطياف مختلفة من قوس القزح العراقي الجديد، وبإمكاننا أن نفعل الشيء ذاته اليوم لتجنيب الأردن مغبة حسابه شعبيا وحكوميا ضمن الشعوب والحكومات المعادية لإيران، وذلك من باب أضعف الإيمان، طالما أن هنالك حسابات كبرى لدول كبرى لا يملك العرب فيها أن يكونوا صناعا للقرار!