وصفات خراب بأدوات حكومية!
حسن الشوبكي
25-07-2013 03:52 AM
من أين أتت الحكومة، ومثلها الجهاز البيروقراطي الرسمي، بكل هذا الاسترخاء، بينما كانت حدود البلاد من الرمثا شمالا وحتى العقبة جنوبا، وكذلك العمري شرقا، تشهد أزمة عقب إضراب موظفي دائرة الجمارك، بما انطوى عليه من أزمات كبرى، اقتصادية ومجتمعية، بعضها بدأ بالفعل، وسيدفع الثمن في نهاية الأمر المواطن؛ من جيبه وجهده، وأمنه الغذائي والاجتماعي؟
بعد أسبوع من الاعتصامات والإضرابات لموظفي "الجمارك"، ما الذي حصل؟ خسرت خزينة الدولة ما يقارب مئة مليون دولار، وأصبحنا اليوم في ورطة ليس في المراكز والمعابر الحدودية، بل في صميم أمننا الغذائي. إذ تكدست الشاحنات بالمئات في مراكز جابر والعمري والراشدية، بما تسبب في نقص مخزون السلع الغذائية بمختلف أصنافها والمساس بالأمن الغذائي. علاوة على أن خراب المواد والسلع والبضائع على أبواب المراكز الحدودية ينذر بأزمات صحية وبيئية، وسيتيح الفرصة لاحقا لتوسيع سوق السلع الفاسدة. ولن أتحدث في هذه العجالة عن مخاطر التهريب وتسلل المخدرات إلى البلاد، في ظل تلك الأجواء المرتبكة في المراكز الحدودية، وانشغال طواقم الأمن –إضافة إلى العبء الأمني الملقى على عاتقها- بعمل جمركي لسد العجز المتحقق بسبب الإضراب. ما الذي فعلته الحكومة طيلة فترة الإضراب؟ لقد مارست دور المتفرج على امتداد أسبوع كامل، وكأن الخسائر اليومية التي مني بها الاقتصاد تخص الاقتصاد الفنزويلي! ليس هذا وحسب، بل غابت عنها البدائل لإدامة العمل، وقدمت للمراكز الحدودية حلولا جزئية لتنفيذ عمل اختصاصي تقني، يحتاج إلى محترفين وأفراد مدربين. ثم خرج وزير المالية ليقول للرأي العام إن مطالب موظفي الجمارك غير محقة، وأعاد التأكيد على أن لا إمكانية لدى الحكومة لتحقيق تلك المطالب، وأن موظفي "الجمارك" يتقاضون "رواتب وامتيازات من أعلى الرواتب على سلم الرواتب الحكومية". واستخدمت وزارة المالية في المقابل وسائل أخرى، ضعيفة وغير مجدية، لثني الموظفين عن الإضراب، عبر استبعاد موظفي المراكز الحدودية من خدمات المأوى والمأكل، وكأن الوقت يصلح للعقاب في هذه المرحلة الدقيقة والخطيرة على الاقتصاد الوطني. تجاهل الوزير كل هذه المخاطر والخسارات المتدحرجة، وكان المهم بالنسبة له أن لا يكسر قرارا أو توجها حكوميا، ولا بأس في أن تُمنى الخزينة بعجوزات مليونية إضافية، وأن تتشوه صورة الاستقرار في مراكزنا ومعابرنا الحدودية، وتفسد بضائعنا وتطالنا أزمة غذاء محدقة اقتربت نذرها، كما يدفع المستهلك المحاصر من كل جهة مزيدا من الأثمان لأزماتٍ، الحكومة سبب رئيس فيها، وأحيانا تكون سببها الوحيد. هو ذاته السلوك الحكومي في التعامل مع معظم الملفات الاقتصادية والاجتماعية الساخنة: ممارسة دور المتفرج، ثم التفاوض شكلا لا مضمونا، والخروج بتصريحات استفزازية لا تصب إلا المزيد من الزيت على النار. وأمثلة عنف الجامعات وتدهور الأوضاع بعد إزهاق أرواح بريئة في جامعة الحسين بن طلال في معان، وإغلاق الطريق الصحراوي قبل بضعة أشهر، وغيرها الكثير، تتراكم مثل كرة الثلج ولم تجد حسما رسميا يليق بحجم التهديد على الأرض.على الحكومة أن تلتفت جيدا إلى مصادر الخطر والتهديد، وأن يكون لديها من يحسب بشكل علمي ومنطقي كلفة أي أزمة وتداعياتها المحتملة. أما التجاهل والإنكار وإدارة الظهر للآخر، وتعليب المواقف، والتصريحات الاستفزازية، والتعامل مع تقارير الحكومة التي تعد أساسا لإرضاء المسؤول وتأييد قناعاته باعتبارها أمرا يحظى بالقدسية، كل هذه هي وصفة فشل، كفيلة بأن تجعلنا دوما في عنق الزجاجة، ضمن ملامح كثرة الأزمات وفشل الحكومات.
الغد