ما يحدث اليوم في مصر، هو الردّ الصارم على "الكذبة الكبيرة" التي كان يردّدها مثقفون وسياسيون عرب خلال الأشهر الماضية، بوجود صفقة "إخوانية-أميركية"، تقوم على تبادل المصالح والتفاهم حول العديد من الملفات، وعلى رأسها الموقف من إسرائيل والقضية الفلسطينية!
الموقف الأميركي المتواطئ مع تدخل الجيش المصري، واعتقال محمد مرسي وقيادات الإخوان، والقيام بإجراءات تعديل الدستور (الذي تمّ إقراره باستفتاء شعبي)، وكل السياسات الإشكالية التي تحدث الآن، تبرهن على أنّ السياسة الأميركية لم تتغيّر تجاه الإسلاميين، بقدر ما تجنّبت الاصطدام معهم عندما جاءت بهم صناديق الاقتراع إلى الحكم في مصر وغيرها من دول.
البعض تجاوز الحديث عن صفقة أميركية-إخوانية إلى وصف ذلك بـ"المؤامرة العالمية" ضد سورية والعرب، وأسّس عليها استدارة كبيرة ضد الثورات الديمقراطية على وقع الأحداث السورية وصعود الإسلاميين في الانتخابات. لكنّه اليوم –مثلاً- يصمت عن الانحياز الحقيقي للموقف الأميركي، وأغلبنا يدرك تماماً، ويعرف أنّ الجيش المصري لم يكن ليقدم على هذه الخطوة لو لم يكن قد حصل على "ضوء أخضر" من الجانب الأميركي.
التغيّر الوحيد الذي حدث في الموقف الأميركي في بدايات "الربيع العربي" تمثّل فقط في قبول "اختبار" العلاقة مع الإسلاميين الصاعدين، والإنصات للخبراء الأميركيين (من كانوا ينادون بذلك)، تحت وقع انتصار الإسلاميين في الانتخابات الديمقراطية العربية، وتراجع شرعية الأنظمة الحليفة والصديقة.
إلاّ أنّ الاختبار الأميركي لم يكتمل، وسرعان ما تهاوت فرضيات القبول بالإسلاميين، وعدنا إلى المقاربة الأميركية التقليدية التي تنظر بعداء نحو الإسلاميين عموماً، بقوة دفع عاملين أساسيين.
العامل الأول، الموقف الإسرائيلي المعادي للإخوان المسلمين وللقوى الإسلامية كافة. وهو موقف لا يحتاج إلى قراءة، إذ يبدو واضحا وضوح الشمس. بل لم يدّخر الإعلام الإسرائيلي وخبراء معروفون، مثل باري روبين، جهداً في اتخاذ مواقف حادّة من الرئيس باراك أوباما في الانتخابات الرئاسية السابقة، بدعوى أنّه تخلّى عن الحليف الأهم لإسرائيل والغرب، حسني مبارك، وأنّه يقف ضد نظام بشار الأسد، بينما البديل هي القوى الإسلامية المتطرفة.
لا يمكن فهم السياسة الأميركية في المنطقة بدون "العامل الإسرائيلي". والموقف الإسرائيلي من مصر وسورية واضح ومعروف، وهو ما يفسّر المماطلة الأميركية، واللف والدوران، تجاه ما يحدث في سورية، والمباركة العملية للانقلاب العسكري في مصر!
العامل الثاني، هم حلفاء أميركا من الدول العربية التي لعبت دوراً ملحوظاً في الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين في مصر، وأعادت إحياء "معسكر الاعتدال"، مع تطوير استراتيجيته لتصبح مزدوجة؛ الأولى، مواجهة ما تعتبره هذه الدول الحلف الأصولي (التركي-القطري-الإخواني)؛ والثانية النفوذ الإيراني- الشيعي في المنطقة.
في الفترة الأولى من "الربيع العربي"، تمكّنت قطر وتركيا من تشكيل قوة ضغط على السياسة الأميركية، لإقناعها بجدوى اختبار العلاقة مع القوى الإسلامية في الحكم، بوصفها القوى الصاعدة في المنطقة. إلاّ أنّ الدفع المضاد الإسرائيلي والعربي أبقى على المعادلة القديمة للمصالح الأميركية في المنطقة.
الكذبة الكبيرة تتبدّى بدرجة أكبر في سورية. إذ كشفت السنوات الثلاث الماضية أنّ السبب الرئيس الذي يدفع بالولايات المتحدة والغرب عموماً إلى عدم تقديم الدعم الحقيقي المطلوب للثوّار السوريين يكمن في الخشية من صعود الإسلاميين في اليوم التالي لسقوط نظام الأسد، على قاعدة: "الشيطان الذي تعرفه أفضل" (بحسب تعبير الكاتب الإسرائيلي عاموس هرئيل). وما تزال الاستراتيجية الأميركية محكومة بمنطق "دعهم يحترقون"؛ أي كل من الإسلاميين و"القاعدة" من جهة، وحزب الله وإيران والنظام السوري من جهة أخرى!
m.aburumman@alghad.jo
الغد