بدأت الثورات العربية منادية بالحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، ومطالبة بسقوط الحكام الظالمين والفاسدين، الذين استعبدوا شعوبهم لعشرات السنين.
لكن سرعان ما وجدت الشعوب بأن الحكام الجدد غير قادرين على تلبية طموحاتهم ، ويبدو أن صبرهم قد نفذ سريعا هذه المرة، وهم الذين صبروا من قبل طويلا، وبدا كثير من الناس رافضين للحكام الإسلاميين الجدد، بل إن بعضهم بدأ يشعر بالحنين لجلاديهم السابقين!
ولعل مصر هي الحالة الأكثر وضوحا، والأكثر خطورة، فهي اليوم ترقص رقصا حثيثا على حافة حرب أهلية خطيرة، وإن هي لم تستدرك أمرها سريعا، وتجنح إلى الحوار، فإنها ستدخل نفقا يصبح من الصعب الخروج منه فيما بعد، وقد تُكرر التجربة الجزائرية على أقل تقدير.
فمصر اليوم تحولت من ملايين في ميدان واحد هو التحرير إلى ملايين في ميادين المختلفة، وفي كل ميدان منها أعداد لا يستهان بها، سواء تلك التي مع الشرعية، أو التي ثارت عليها، وكل يقف في وجه الآخر، ويتحرش به كلاميا، وبلطجة، واصطفافا إعلاميا، بل أكثر من ذلك كله نرى اصطفافا عربيا على مستوى الحكام الذين هرع بعضهم لتأكيد هذا الموقف بمليارات كان من الصعب رؤيتها في ظل أقسى المحن التي عاشتها الشعوب العربية التي أرهقها الفقر والدين!
وقد يؤدي هذا كله لحرب أهلية مآلها الخراب والموت، وتكون بعدها رحلة الندم، ونتباكى على ما كان، ونتمنى العودة إلى ما كنا عليه، ويصبح همنا البحث عن توازنات الموت!
وسواء أكان الغرب قد تآمر على الشرعية المصرية بالتعاون مع فلول نظام مبارك، وبعض الأنظمة العربية التي لم يسرها وصول الإخوان إلى الحكم أم أن الإخوان أنفسهم كان ينقصهم الخبرة في إتقان لعبة السياسة، التي أُقصوا عنها ردحا من الزمن، فمارسوا سياسات عانوا هم منها من قبل من أهمها التهميش وإقصاء الآخر لاسيما الكفاءات التي يقوم عليها بناء الأوطان، فإن المطلوب اليوم النفَس التوافقي بين الفرقاء، ووضع البوصلة الوطنية هدفا للجميع، وتقديم التنازلات، والوقوف في منتصف الطريق مع الآخر، فهذا هو الأمر المفيد في هذه المرحلة، لأجل مصر، ولتفويت الفرصة على كل المتدخلين في شؤونها، ولإنقاذ البلاد من شبح حرب ما زلنا نعيش مأساتها في سورية.