تلخص نتائج استطلاع معهد "غالوب" الأخير حول الواقع المعيشي في الأردن، مدى التراجع الذي لحق بالمستوى الحياتي للأردنيين خلال الفترة 2007–2012.
الاستطلاع خلص إلى أسوأ نتيجة بهذا الخصوص، حينما أكدت غالبية المستطلعة آراؤهم أنهم بلغوا أدنى مستوى لناحية تقييم واقع معيشتهم وتوقعاتهم المستقبلية خلال تلك الفترة.
الأرقام والنتائج التي يقدمها الاستطلاع جافّة، لكنّ قليلا من الخيال يمكّننا من تقدير حجم المعاناة التي عاشها المجتمع خلال السنوات الست الماضية. وكل ذلك مرتبط بشكل عميق ووثيق بفشل الحكومات في تطبيق سياسات تنعكس إيجابيا على حياة الناس.
بحسب الاستطلاع، يذهب 89 % من المستطلعين إلى أنهم "يجهدون" أو "يعانون" لتأمين متطلبات الحياة، في مقابل 11 % ممن يعتبرون أنّ حياتهم تشهد تحسنا أو ازدهارا.
الأرقام تعكس اتساع الفجوة بين الطبقات الاقتصادية والاجتماعية؛ إذ تتراجع أحوال الغالبية العظمى التي تعاني أوضاعا اقتصادية صعبة، وتشقى لتأمين متطلبات حياة تتعاظم كلفها يوما بعد يوم، نتيجة ارتفاعات الأسعار المتتالية، فيما القلة تنتعش وتزدهر وتتحسن أحوالها.
ما بين الأرقام، يمكننا الحكم على واقع الطبقة الوسطى خلال تلك الفترة، والتي يبدو أن نسبة كبيرة منها قد انزلقت إلى أدنى السلّم، فيما يكابد من تبقى في مصافّها للتمسك والتشبث بموقعه. وتزيد الضغوط على هذه الطبقة في ظل صعوبات الحصول على فرص عمل، وتراجع القدرة على تأمين المسكن؛ إذ يؤكد الاستطلاع أن 75 % من المستجيبين غير راضين عن توفر فرص عمل جيدة في مدنهم أو مناطقهم.
النتيجة تدفع باتجاه توجيه الاتهام إلى الحكومات المتعاقبة التي فشلت برامجها في إحداث التنمية المطلوبة، وتقليص الفجوة بين عَمان والمحافظات، على الأقل خلال العامين الماضيين؛ أي ما بعد اندلاع "الربيع العربي". إذ أخفقت الخطط الحكومية في إقامة مشاريع تنموية تسهم في توطين أبناء المحافظات في مواقعهم، بتأمين فرص عمل لهم في مكان سكنهم.
الخطط الحكومية كثيرة ومتعددة، لتغدو المصيبة في كون التمويل متوفرا! إذ يوجد لدينا صندوق تنمية المحافظات بقيمة 150 مليون دينار، كان من المفترض أن تنفَق على مدى ثلاث سنوات؛ وهناك المنحة الخليجية بمعدل 700 مليون دينار سنويا، ومبادرة برنامج دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة بإجمالي 500 مليون دولار.
الأخطر في الاستطلاع أن نسبة 32 % من المستجيبين صدف أنْ لمْ يتوفر لديهم المال الكافي لشراء الطعام خلال الفترة بين نهاية 2011 ونهاية 2012، وبما يزيد على ضعفي النسبة التي ظهرت في الاستطلاعات التي أجريت في الفترة 2008-2010. بمعنى أنّ ثلث المجتمع يعاني من أجل توفير لقمة العيش التي تحتل قمة سلّم احتياجات الإنسان، الأمر الذي قد يشي بأن عدد الجوعى ممن يعيشون بيننا ارتفع خلال الأعوام الماضية. وبالفعل، كانت دراسة لبرنامج الغذاء العالمي في العام 2005 قدّرت عدد من يعانون الجوع في الأردن بحوالي 60 ألف أسرة، أي زهاء 300 ألف أردني.
اليوم، عدد السكان زاد بشكل كبير. وتشير التقديرات إلى بلوغهم حوالي 9 ملايين نسمة، يتوزعون على النحو التالي: 6.9 مليون يحملون أرقاما وطنية، نحو 800 ألف منهم يقيمون في الخارج؛ و1.3 مليون سوري؛ ونصف مليون عراقي، و700 ألف مصري، وغيرهم من الوافدين.
النمو السكاني الكبير وغير المتوقع يؤدي إلى زيادة التنافس على الموارد، ويتسبب تلقائيا في ارتفاع عدد الجوعى والفقراء أو انخفاض قدرة الفرد على الحصول على الغذاء المطلوب.
الأموال موجودة، لكنّ المنجز محدود بالكاد يذكر. وكل التراجع في المستوى المعيشي للمواطن الذي بات يفتقد اليوم للشعور بالأمن الاقتصادي، لم يشكل دافعا للعمل لتحسين أحوال الناس.
جميع الأصوات التي ارتفعت منذ عامين وحملت رغيف الخبز شعارا، احتجاجا على الظروف المعيشية، ما يزال يُسمَع رجع صداها، فلا تطرق إلا آذان أصحابها!
الغد