إخوان الأردن .. تحت طائلة “الصدمة المصريّة”
22-07-2013 11:41 PM
عمون - المونتور - محمد أبو رمان - أتت ردود فعل كلّ من جماعة الإخوان المسلمين والحكومة في الأردن متناقضة تجاه الإطاحة بالرئيس المصري محمّد مرسي. من جهتها، اعتبرت صحيفة “الغد” الأردنيّة المستقلّة ما حصل سقوطاً لحكم الإخوان المسلمين في مصر بحسب العنوان الذي تصدّر صفحتها الأولى غداة الانقلاب.
فقد سارع وزير الخارجيّة الأردني ناصر جوده إلى إرسال برقيّة تأييد لما قام به الجيش، ثم توجّه لاحقاً إلى القاهرة للقاء الرئيس الجديد المؤقّت، ناقلاً إليه رسالة من الملك الأردني ومؤكّداً على دعم الأردن لمطالب الشعب المصري وللتغيّرات التي حدثت.
في مقابل ذلك، أصيبت جماعة الإخوان المسلمين بصدمة شديدة جرّاء ما حدث واعتبرته انقلاباً عسكرياً، وأعلنت دعمها للرئيس مرسي وشرعيّته، فيما بعث المراقب العام للجماعة همّام سعيد برسالة إلى أبناء التنظيم يعدّد فيها محاسن الرئيس المصري المعزول، ويدعوهم فيها إلى الحذر من الدعاية الإعلاميّة والسياسيّة المعادية.
والمواقف المتضاربة انتقلت إلى الإعلام، إذ خصّصت صحيفة “الرأي” الحكوميّة جزءاً أساسياً من تغطيتها للخبر المصري للهجوم على إخوان الأردن. في المقابل، كرّست قناة “اليرموك” الفضائية (المقرّبة من جماعة الإخوان المسلمين) اهتماماتها وأولوياتها للخبر المصري، وقامت بنقل وقائع اعتصام ميدان رابعة العدويّة المؤيّد للرئيس المعزول وللجماعة.
***
هذه التفاعلات مع الحدث المصري، تطرح سؤالَين رئيسَين. الأول يتعلّق بانعكاساتها على العلاقة بين الدولة والإسلاميّين، والثاني على الإسلاميّين أنفسهم.
على صعيد العلاقة بين الدولة والإسلاميّين، لا توجد تداعيات مباشرة سياسياً، إذ إنّ الإخوان قاطعوا الانتخابات النيابيّة الأخيرة وأعلنوا نيّتهم مقاطعة الانتخابات البلديّة الوشيكة. ويلخّص هذه الحالة أحد أبرز قادة الجماعة الإصلاحيّين الدكتور نبيل الكوفحي قائلاً إنّها شبيهة بحالة “اللاسلم واللاحرب”، فلا تتجاوز الإطار السلمي والمطالبة بإصلاح النظام وليس بإسقاطه، على الرغم من ارتفاع سقف الشعارات في بعض هذه المسيرات لتصل إلى توجيه انتقادات غير مسبوقة للعاهل الأردني نفسه.
ويرى وزير التنمية الأسبق موسى المعايطة في حديث إلى “المونيتور” بأنّ الأمر مرتبطٌ بجماعة الإخوان المسلمين نفسها، ويقول “ثمّة اتجاهان في الأوساط القريبة من مراكز القرار. الأول يرى أنّ الوقت مناسبٌ لفتح حوار مع الجماعة، بعد أن فشلت رهاناتها على سوريا ومصر وأصبح سقف توقّعاتها معقولاً وأصبح من الممكن التعامل معه واستثمار اللحظة الراهنة ودفعها للمشاركة في الانتخابات البلدية الوشيكة، وترتيب صيغة العلاقة المستقبلية معها على وقع التطوّرات الأخيرة. أمّا التوجّه الثاني في أوساط القرار، فيتبنّى الخط الآخر تماماً، أي أن تستثمر الدولة ما يحدث لإضعاف الجماعة إعلامياً وسياسياً وعزلها شعبياً، بالتركيز على حجم الخسارة التي لحقت بها في القاهرة وعلى أخطائها وتظهير الخلافات داخل الجماعة للرأي العام”.
تشي ردود الفعل الأولية بغلبة الرأي الثاني الإقصائي، وهو ما يمكن التقاطه بوضوح من جرّاء الاحتفاء الرسمي (الضمني) بإنهاء الإخوان على صعيد السياستَين الداخليّة والخارجيّة، وهو ما عكسته زيارة وزير الخارجيّة ورسالة الملك إلى الرئيس الجديد بالإضافة إلى الهجوم الإعلامي عبر صحيفة “الرأي” الحكوميّة.
لكن أنصار الرأي الأول (الإدماجي) في أوساط القرار حاولوا خلال الأيام الماضية القيام بحوارات ولقاءات مع الجماعة، للتوصّل إلى رؤية مشتركة حول المرحلة القادمة وجدولة مطالب الجماعة الستة (المطالبة بإصلاحات جوهريّة دستورياً وسياسياً) سياسياً وزمنياً. وكانت مراكز القرار قد نظرت إلى تلك المطالب على أنّها تعني ضمنياً سحب صلاحيات الملك وإضعاف موقعه في النظام السياسي.
في ضوء هذين الرأيَين، يرى المعايطة أنّ المسألة مرتبطة بما ستقوم به جماعة الإخوان المسلمين أو ستصدره من إشارات ورسائل، فإما تندفع نحو مزيد من التشدّد في المطالب السياسية، ما يعني استمرار الأزمة الراهنة، وإما تستخلص دروساً ونتائج من تجربتها في مصر وتدرك أهميّة الاعتدال في المطالب والشراكة السياسيّة الوطنية مع القوى الأخرى وفق إصلاح متدرّج.
من الجهة المقابلة يرى المحلل السياسي فهد الخيطان في حديث إلى “المونيتور”، بأنّ صدى الأحداث المصريّة يضع مطبخ القرار في عمّان أمام احتمالَين، الأول هو النموذج المصري الذي سيسفر لاحقاً عن سيناريو “ديمقراطيّة بلا إسلاميّين” وهو سيناريو يحمل مخاطر استمرار الاضطراب والفوضى وربما العنف، أمّا النموذج الثاني فهو المغربي الذي استطاع إدماج الإسلاميّين (حزب العدالة والتنمية) في اللعبة السياسيّة وضمن استقرار قواعد اللعبة الديمقراطيّة في عمليّة انتقال سلس وآمن.
***
أما السؤال الثاني المنبثق عن التطورات المصريّة، فيتعلّق بوجهة القراءة التي ستتبنّاها جماعة الإخوان المسلمين في الأردن تجاه الأحداث، مع التذكير بأنّ إخوان الأردن ينظرون إلى ما يحدث في مصر بأهمية مطلقة من زاويتَين. الأولى، أنّ الجماعة في مصر هي الجماعة الأم وأي اتجاه تأخذه الجماعة هناك سينعكس على خيارات الإخوان (في الأردن) فكرياً وسياسياً، والثانية أنّ الانتصارات السياسيّة والانتخابيّة التي حقّقها الإخوان في العالم العربي وتحديداً في مصر، شكّلت العمود الفقري في “رهانات” إخوان الأردن خلال العامَين الماضيين لرفع سقف مطالبهم والضغط على النظام للقبول بإجراء إصلاحات جوهريّة تعيد توزيع القوّة في مراكز القرار داخل الدولة الأردنيّة، ما يضعف سلطة الملك نفسه داخل النظام.
وبدت ردود الفعل الأوليّة لدى قيادة الإخوان المسلمين وأعضاء الجماعة الفاعلين على صفحات التواصل الاجتماعي، أقرب للوقوع تحت صدمة ما حدث ثم الاندفاع بقوّة للدفاع عن الجماعة في مواجهة الحملات الإعلاميّة والقيام باعتصامات على أبواب السفارة المصريّة، وذلك مع انتظار ما سيسفر عنه المشهد المصري من مخرجات ومع تعلّق الآمال الأولى بعودة الرئيس محمد مرسي إلى سدّة الرئاسة أسوة بما حدث مع الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز.
وينظر الإخوان الأردنيّون إلى ما يحدث في مصر بوصفه مرحلة حاسمة وخطيرة في تاريخ الجماعة، فيشعرون باختطاف نجاحهم في الاختبار الانتخابي وسرقة السلطة منهم، وهو شعور سيتطوّر ويتأطر لاحقاً عبر أفكار أفراد الجماعة في الأردن، تبعاً لتطوّرات المشهد المصري، سواء عاد الرئيس محمد مرسي أو شهدنا سيناريو الصدام أو التسوية السياسيّة. فالسيناريو نفسه سيطال خيارات الجماعة وتوجّهاتها، داخل مصر وخارجها.
ويرى القيادي الإسلامي الدكتور نبيل الكوفحي في حديث إلى “المونيتور”، أنّ المؤشّرات الأوليّة تشي بأنّنا أمام ثلاث نتائج أوليّة هي:
- فقدان الثقة بالشركاء السياسيّين الذين كانوا يمثّلون حليفاً قوياً للإسلاميّين في مواجهة الأنظمة العربيّة السابقة، مثل اليساريّين وبعض الليبراليّين، ليس فقط في مصر بل في الأردن أيضاً. فهؤلاء أظهروا احتفاءً بالانقلاب العسكري، ما ولّد ويؤدّي إلى إعادة التفكير في العلاقة معهم وجدوى الشراكة السياسيّة.
- تعظيم الشكوك بالعلاقة مع الآخر أي الولايات المتّحدة والغرب، بعدما كانت محاولات للحوار بين التيارات الإسلاميّة والولايات المتحدة في بداية حقبة الثورات العربيّة تخلّلتها زيارات ولقاءات وحوارات غير مسبوقة بين الجانبَين. لكن الموقف الأميركي مما يعتبره الإسلاميّون انقلاباً عسكرياً وفقاً للكوفحي، قضى على هذه الجهود لإصلاح العلاقة.
- ما حدث سيمنح الخطاب المتطرّف المنغلق مساحة واسعة لاستقطاب أنصار التيار الإسلامي، وحتى بعض الأفراد من جماعة الإخوان المسلمين الذين راهنوا على الديمقراطيّة وصناديق الاقتراع. لكن التجربة اليوم تخلق قناعة لدى الشباب الإسلامي بأنّ هذه العمليّة تضرّ بالإسلاميّين، ما يقوّي خطاب التيار المتطرف الذي يشكّك في جدوى الديمقراطيّة ويصرّ على أنّ المطلوب في نهاية المطاف هو إقامة دولة إسلاميّة تتبنّى الإسلام نظاماً للحكم لا النظام الديمقراطي. وهو أمر قد يؤدّي إلى التراجع عن الالتزامات التي أعلنتها الجماعة خلال السنوات الأخيرة، بتبنّي الديمقراطيّة بوصفها نظاماً نهائياً للحكم!
ومؤدّى هذه النتائج التي يرصدها الكوفحي، هو أنّنا أمام سيناريو تتجّه فيه الجماعة نحو الصدام والصراع مع القوى السياسيّة الأخرى، على قاعدة الاختلاف الأيديولوجي الإسلامي- العلماني، وأنّ النتائج ستكون سلبيّة بقدر إيمان أفراد هذه الجماعات بالديمقراطيّة.
وقد يؤكّد هذه الملامح الأوليّة، ما يمكن رصده لدى أنصار التيار الإسلامي في الأردن على صفحات التواصل الاجتماعي، إذ يطغى مناخ التشكيك بجدوى الديمقراطيّة والغضب الشديد تجاه القوى السياسيّة الأخرى، ويصل الأمر إلى إعادة طرح السؤال عن خيارات الجماعة في العلاقة مع النظام الأردني، بحسب ما كتب أحد أبرز الشباب الناشطين في جماعة الإخوان المسلمين. فتساءل على وقع ما يحدث في مصر على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، عما “إذا كان الإصرار على التغيير المتدرّج وإصلاح النظام ما زال مجدياً”، ملمّحاً إلى الاتجاه نحو الخيارات الراديكاليّة سياسياً في التعامل مع النظام الأردني.
من المبكّر الحكم بصورة نهائيّة على نتائج وتداعيات ما يحدث في مصر على إخوان الأردن فكرياً وسياسياً، بحسب ما يرى الكوفحي. فنحن ما زلنا أمام مؤشّرات أوليّة، إلاّ أنّ هذه المؤشّرات تقع تحت طائلة “الصدمة”. ربما تتغيّر المواقف والأفكار غداً عندما يصحو الإخوان على الواقع الجديد، في حال لم يعد الرئيس مرسي إلى السلطة ومضت خارطة الطريق الراهنة هناك. وعندها، من الممكن أن نقرأ ونشاهد اتجاهات لدى الإخوان تنحو إلى “النقد الذاتي” ومراجعة المرحلة السابقة وتغليب القراءة العقلانيّة لا العاطفيّة، التي تهيمن لغاية الآن على ردود فعل الإخوان المسلمين.