في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي كان الفن الأردني وخصوصا الدراما التلفزيونية رواجا شغل الفضاء العربي من المحيط الى الخليج، فنجحت عبقرية عويدي العبادي، ومحمود الزيودي، وبشير الهواري في كتابة عشرات النصوص التي تلقفها وباحتراف مبدعو التلفزيون الاردني أمثال حسيب يوسف، وسعود الفياض، وعدنان عواملة، وصلاح أبوهنود وغيرهم لتصبح استوديوهات التلفزيون الاردني أحد أهم الأماكن جذبا لأصحاب المواهب وصناع الوجدان في العالم العربي.

فقد أفلحت الرؤيا التي تمتع بها المرحوم محمد كمال، وفاروق جرار، وهاني خير وغيرهم من الذين اشتعلت قلوبهم بحب العمل في اطلاق طاقات الكتاب والمخرجين والفنيين والممثلين، فتفجرت طاقات مذيع الأخبار انذاك نبيل المشيني ليتحول الى ممثلا مبدعا الى جانب العشرات من أمثال محمود أبوغريب، وجميل عواد، وزهير النوباني، ورشيدة الدجاني، وقمر الصفدي، وداود جلاجل وغيرهم، فغزى المسلسل البدوي ليبيا، والجزائر، والسعودية، واليمن وبدى الأردنيون وكأنهم حراس للذاكرة العربية يبثون قيمها وعاداتها، ولباسها، ومعاني كل مفردات عوالم الصحراء، فعرفنا نحن أطفال تلك المرحلة بيوت الشعر، وحياة الرعي، وطقوس القهوة والقضاء البدوي، وعادات الكرم، وحماية المستجير، ونصرة المظلوم وتعزير الخارجين على اعراف الصحراء، فأدخلتنا الدراما الاردنية في رومانسية فريدة احببناها وأحبها العرب رغم قساوة عيش صناعها.

وظلت الدراما الأردنية تسبح في العالم وتحمل معها اللهجة الأردنية والشماغ الأحمر ومقاطع من جبال رم وسفوح جبال البلقاء وبعض اشجار زينات الربوع، ونبع ام العروق، فعرف العرب الأردن وعبارات الترحيب وكيفية استدارة الضيوف حول موائد الثريد.

ولأن السياسية تتحكم بمصائر الصناعة والتجارة والفن والثقافة فقد جاءت حرب الخليج الثانية وتداعيات احتلال العراق لدولة الكويت عام 1990 وموقف الاردن من ذلك كالصاعقة على الانتاج الدرامي الاردني. فتوقفت حكومات العالم العربي عن بث الأعمال الفنية الأردنية وجرت مقاطعة علنية وصامتة للمنتجات الأردنية، فتراجع الانتاج الفني الأردني لحساب الدراما السورية والخليجية. مما اثر سلبا على حضور الفنان الأردني ودخوله المنافسة العربية.

اليوم يعود الفنان الأردني للتألق من جديد وبسبب السياسة ايضا، فمنذ انطلاق شرارة الربيع العربي عانى الفنان السوري والمصري بسبب مواقفهم السياسية تجاه الأنظمة الحاكمة في بلدانهم، ووسط هذا الخلاف التفت بعض المنتجين الى الفنان الاردني ربما لكونه خارج دائرة الخلاف السياسي ولاخراج الاعمال الفنية من دوائر الصراع والجدل السياسي مما يستقطب لها المشاهدين من مختلف أطياف المشهد السياسي في العالم العربي.

فشاهدنا وبشكل غير مسبوق حضورا لافتا للفنان الاردني في ادوار البطولة للعديد من الاعمال الدرامية الضخمة لهذا العام فها هو منذر رياحنة يتألق بالعقرب واياد نصار في موجة حارة، وصبا مبارك ومي سليم في مسلسل خلف الله الى جانب الفنان نور الشريف بالاضافة الى ظهور الفنانة عبير عيسى وصبا مبارك ثانية كضيفتا شرف في مسلسل موجة حارة.

ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه هل يشكل الربيع العربي وما فيه من تجاذبات فرصة للدراما الاردنية لتنهض من جديد، وهل نحن جاهزون لالتقاط هذه اللحظة التاريخية.

سؤال موجه للدولة، وللنقابة، والمنتجين، والفنانين، والمستثمرين ولنا جميعا.

نسرين أبوصالحة اربيحات