الديسي إنجاز ملكي بامتياز
د.حسام العتوم
22-07-2013 05:48 PM
بكل تأكيد وباعتزاز كبير اعتبر ومعي أهلي وعشيرتي الأردنية الكبيرة بأن الانتهاء من تنفيذ مشروع الديسي المائي العملاق إنجاز ملكي وأردني بامتياز عكس حراك سيدنا الملك عبد الله الثاني ورفضه ومعارضته لبقاء الأردن الوطن الغالي علينا جميعاً يعاني من شح المياه في وقت هو فيه عدد سكانه يلامس الـ 7 ملايين نسمة والزيادة السنوية للسكان بلغت 5.3% والمد الديمغرافي الناجم عن الاهتزازات السياسية مستمر واسم الأردن مدرج على لائحة أكثر عشر دول عالمية فقراً في المياه وكان الاكتشاف الحكومي لهذا المصدر المائي الوفير عام 2008 رغم أن عمره الزمني في جوف جنوب عاصمتنا الحبيبة عمان يعود لـ 300 ألف عام مضت فأين كانت حكوماتنا منه قبل ذلك ومنذ تأسيس الدولة الأردنية في عهدي الإمارة والمملكة الأولى والثانية والثالثة ؟
ولماذا غاب التخطيط الاستراتيجي المائي آنذاك بينما هو حاضر اليوم وفي عهد حكومة يرجمها ناسها ونوابها لسلوكها أوتوستراد رفع الأسعار على المحروقات والغاز والخلويات وغير ذلك وعدم البحث عن خيار آخر وسط ارتفاع الأصوات المنادية باقتلاع جاد للفساد مهما ارتفع سقفه، وبترشيد الاستهلاك في القطاعين العام والخاص، وبفتح قنوات مع دول العرب للوصول إلى نظام سياسي واقتصادي قوي وموحد يغلق الأبواب أمام المستعمر الطامع أيا كانت هويته الدبلوماسية ويسمح بتدفق المال من دولنا العربية الغنية إلى الفقيرة ولتأسيس صندوق مالي عربي خاص بذلك.
اليهود الذين سكنوا فلسطين التاريخية والمعاصرة وبعض أراضي العرب مثل الجولان ومزارع وتلال شبعا لاحقاً وخرجوا من غيرها مثل جنوب لبنان وغزة وسيناء أول من فكروا عام 1890 بشق قناة مائية من البحر المتوسط تجاه البحر الميت لتعزيز احتلالهم اللاحق بقوة السياسة عبر الأمم المتحدة وبقوة السلاح عبر حربي 1948 و 1967 وغيرها لكنهم جوبهوا برفض أردني قهقر مخططهم ذاك، وبدأ الأردن يدفع بمشروع ناقل البحرين المائي عام 1980 من العقبة إلى البحر الميت بعد إشراك لفلسطين وإسرائيل بحكم الجوار منعاً لجفاف البحر في غضون خمسين عاماً بسبب استنزاف إسرائيل له بنسبة 60% مقارنة مع 40% من طرف الإقليم لكن إسرائيل نفسها أعاقت تنفيذه كونها تتمتع باكتفاء مائي، وسبق لها أن طرحت مشروع جر مياه نهري دجلة والفرات وهو ما رفضه الأردن مجدداً، ولم تستطع قمة الأرض عام 2002 في جوهانسبيرغ من إقناع إسرائيل بجدوى ناقل البحرين وتم إفشاله نهائياً، وها نحن الآن أردنياً وجهاً لوجه أمام مشروع الديسي المائي الذي انتظرناه طويلاًَ وأصبح حقيقة.
وفي الوقت الذي بدأ العمل فيه عقباوياً تحول إلى عمّاني وسوف يدم كل محافظات المملكة الـ 12 ولسنين طويلة قادمة وبحجم 900 مليون متر مكعب من المياه حالياً لكن هذه الحاجة سترتفع إلى 1600 مليون متر مكعب عام 2015 مع تزايد عدد السكان فما هي الحلول الاستراتيجية الحكومية القادمة يا ترى؟
من جديد ادفع بالكرة الأردنية إلى مرمى العرب وفي الوقت الذي تحمل فيه الأردن فاتورة الديسي بقطاعيه العام والخاص قيمة مليار دولار نجد أن ديونه الخارجية تصل إلى 22 مليار دولار ويقف جيشه الباسل على طول 600 كم مع إسرائيل حماية ودفاعاً ليس عن نفسه فقط بل وعن كل العرب، وفي المقابل يرفض الخليج قبوله في مجلسه الخليجي ويرفض توسيع المجلس إلى عربي بينما هو أمن الخليج مرتبط بأمن الأردن والتاريخ المعاصر خير شاهد في السعودية والبحرين، ونظرة واحدة لفائض إنتاج البترول والغاز والسياحة الدينية وسط بلاد العرب الثرية تجيب على تساؤلات حاضر العرب ومستقبلهم، وما نريده للمال العربي هو أن لا تحركه الأمزجة والتقلبات السياسية وإنما إرادة الضمير والشعور القومي المتماسك والحاجة الأبدية للوحدة الطوعية.
اللهم لا حسد نقولها دائماً عندما نتطلع من وسط فقرنا وبطالتنا الأردنية تجاه دولنا العربية الغنية فالسعودية تتحدث عن فائض في ميزانيتها تصل إلى نحو 900 مليار ريال والإمارات إلى 14 مليار دولار وقطر إلى 16 مليار دولار والكويت إلى 19 مليار دولار، وناتج السياحة الدينية في السعودية 60 مليار ريال، والأدهى والأمرّ هو أن ثورتنا العربية الكبرى المجيدة انطلقت من هناك م مشارف مكة المكرمة معلنة الوحدة العربية ولكن وحتى الساعة هيهات من يصغي لندائها وفي المقابل تراجع عربي سريع نحو الانقسام الطردي، عشنا وشفنا كيف أصبح السودان شمال وجنوب، وسفير للشمال في الجنوب وللجنوب في الشمال، وسوريا مهددة بالانقسام، واتهامات لنظام الأسد بالاعتماد على حزب الله والحرس الثوري الإيراني ودول في الجزيرة العربية تمول الجهاديين في سوريا علناً لمواجهة نظامها والبحث جاري للدفع بمزيد من المرتزقة وزدهم في أتون نيران المدن السورية دون حسبة للنتيجة واستخدام للأطفال في القتال، والعراق يتجه نحو القسمة وازداد خراباً وتفجيراً منذ انهيار نظام الشهيد صدام حسين وازداد القتل ووصل إلى قرابة المليونين، والاحتلالات الإسرائيلية والإيرانية والإسبانية جاثمة فوق أراضي العرب، والمسألة الفلسطينية تزداد تعقيداً رغم الشروع الأمريكي ببناء مطار للسلام في رام الله والمطلوب أكثر هو استقلال القرار الأمريكي عن الصهيوني وتشكيل جهد دولي جماعي مثل تفعيل دور الرباعية والجامعة العربية ومجلس الأمن والأمم المتحدة.
عودة لمشروع الديسي والذي نعتبره إنجازاً مميزاً ونقلة وطنية نوعية فإن مثل هكذا حراك إصلاحي ملكي أقوى بكثير من أي حراك شبابي أو معارضة شعبية في الشارع ترفع شعارات الإصلاح ومحاربة الفساد وبشكل دائم وفقط من أجل لفت الانتباه وإحداث الضجيج بينما هي ترفض العمل العام والمشاركة في الانتخابات البلدية والبرلمانية وتفضل البقاء في الشارع وسوف تعود إليه كما أتوقع بعد عيد رمضان الكريم والمبارك فيما هو الواجب الوطني يتطلب تكثيف جهود الجميع موالاة ومعارضة واعتبار المعارضة موالاة ما دامت تعمل تحت سقف الدستور وفي إطاره، والوطن في ضائقة اقتصادية لا مخرج منها سوى تكاتف أيدي الجميع خلف وحدتهم الوطنية وقيادتهم الهاشمية الحكيمة وخلف صبرهم وانتمائهم الحقيقي لبلدهم الذي له عليهم من حقوق أكثر من ما لهم من واجبات، والأجيال المتتابعة تحتاج الكثير وهي لا ترحم، والوطن ومن دون تنظير هو للجميع، واستقراره الدائم شعار ونهج عمل المرحلة، ولا وطن آخر لنا غيره، وهو بيتنا الأول والأخير وهو ملاذنا ورغيف خبزنا ومائنا وهوائنا وسمائنا ونجومنا الذي نتمنى له أن يسمو بعروبته ليلتقي مع عروبة العرب والعكس هو صحيح أيضاً، وإما أن نكون عرباً أو لا نكون، وكم نحن بأمس الحاجة لسد الفجوة بين عالمنا الثالث والعالم الأول على كافة المستويات العلمية والتكنولوجية والاقتصادية وحتى التربوية والثقافية والاجتماعية، فهي سيتحول طموحنا الوحدوي إلى حقيقة ونصده من الوصول إلى السراب؟