إعتادت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ تأسيس الدولة العبرية عام 1948 وحتي اليوم، على عدم إدراك أهمية السلام في المنطقة، ليس للعرب وحدهم بل لإسرائيل نفسها وشرعية وجودها، ولم تدرك بعد الأخطار المترتبة على رفضها لكل نداءات السلام، سواء العربية ام الاقليمية ام الدولية أم من خلال الامم المتحدة، وتوصياتها بشان حل الصراع العربي- الاسرائيلي بالطرق السلمية.
لقد إستمرأت أسرائيل تبني سلوك الإحباط الممنهج للجهود الأمريكية للتعامل مع ملف الصراع العربي- الاسرائيلي ومحاولة حله سلميا . فقد إستمر رفض الحكومات الإسرائيلية، وتحديداً إذا ما كان الحاكم هو اليمين المتطرف، لكل ما يصدر عن الإدارة الأمريكية أو مبعوثيها للشرق الأوسط من إقتراحات، خاصة ما يتعلق بوقف عملية الإستيطان او حتى وقف توسيع المستوطنات.
فقد أفشلت إسرائيل خطة» جورج ميشيل «، وأحبطت رؤى وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة « هيلاري كلنتون» لتضييق الفجوة بين موقف الجانبين الفلسطيني و الإسرائيلي، والمتمثل بوقف الإستيطان، مما يعني أن إسرائيل تنظر لهذه المفاوضات كشيء من مقومات التسلية العبثية ليس إلا. آملين أن لا تكون هذه هي النتيجة الحتمية لجهود الوزير « جون كيري» الراهنة، من أجل إيجاد مخرج لقضية تجاوز عمرها الخامسة والستين عاماً.
لقد بدأت الجهود الامريكية بشكل إيجابي مع بداية عهد الإدارة الأمريكية الجديدة، التي تعتبر في راي المراقبين أكثر جدية من سابقتها في التعامل مع ملف القضية الفلسطينية. وإستبشرنا خيراً، و بدأت الإدارة الأمريكية برئاسة « باراك حسين أوباما» بإلتقاط الإشارة المهمة والمحورية عن أهمية حل القضية الفلسطينية بناءً على مفهوم الدولتين، لأن إستتباب السلم والأمن في المنطقة يعتبر مصلحة قومية أمريكية. وحاولت الإدارة الحالية منذ قدومها للبيت الابيض، أن تقوم، ولو بسرعة السلحفاة، بمراجعة لسياسات سابقتها تجاه العالم، خاصة فيما يتعلق بمصالحها مع العالمين العربي والإسلامي.
لكن المعضلة أمام تحقيق السلام المنشود لا تتعلق بالجانب العربي بقدر ما تتعلق بالجانب الإسرائيلي، فالعرب قدموا كل ما يستطيعون من تنازلات للجانب الإسرائيلي، والذي عبرت عنه المبادرة العربية التي اطلقت في قمة بيروت 2002، ولم يبق في رصيدهم اي من الأوراق المتعارف عليها دبلوماسياً، والتي يمكن التفاوض بشأنها. في حين إستطاعت إسرائيل، وكعادتها، إستثمار الوقت وبناء المزيد من المستوطنات وتهويد مؤسسي للقدس والأراضي الفلسطينية، وتحويل القضية الأساسية من قضية إحتلال وتشريد شعب الى قضية إستيطان ومستوطنات وأمن وتوطين ممنهج خارج فلسطين، ومصطلحات سياسية لا تلتقي مع أبجديات الصراع العربي-الإسرائيلي وسبل حله.
ناهيك عن الإلتفاف على نواميس الشرعية الدولية، سواء ما يتعلق بقراري مجلس الأمن 242/ 1967 و 338/ 1973، او توصيات الجمعية العامة رقم 194/1949 الخاص بعوة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم، وإضهار القضية وكانها قضية علاقات سياسية- دبلوماسية.
لقد جرت في السابق مفاوضات غير مباشرة بين السلطة الوطنية الفلسطينية والجانب الإسرائيلي، من أجل تلمس آفاق السلام، وحتى بعد المفاوضات المباشرة التي بدأت في وأشنطن في الثاني من ايلول-سبتمبر 2010 !!!، إلا أن « السامر» إنفض دون أدنى نتائج تذكر، وهذا يعني أن التلاعب بالمصطلحات السياسية وسلوك مفهوم « الأوهام» قد أصبح هو السياسة السائدة لإسرائيل من أجل قتل الأمل العربي في التحرير.
يبدو أن إسرائيل، وشعورها المفرط بالعنجهية، كنتيجة لتحصنها بالقوة العسكرية، وضعف العرب، وتفكك العالم الإسلامي، يجعلها أبعد ما تكون عن التعامل بجدية مع مفهوم السلام والإيمان به. فهل يدرك أصحاب القضية ما يحاك ضدهم في ليل حالك لسواد، ويعيدون قراءة إستراتيجيتهم بناءً على مرتكزات ثقافة المقاومة، وبعيداً عن الجهاد « التوطيني» و النظال «المحاصصي» و سلوك « تجار الحروب» وصائدي الفرص خارج فلسطين وبعيداً عن ثراها الطاهر!!!!. آملين أن تعطى الفرصة لـلوزير ـ» جون كيري» والذي يبدو أنه يملك الجدية والإصرار في إختراق التعنت الإسرائيلي من أجل حل هذه القضية المستعصية.
alrfouh@hotmail.com
الرأي