استقيموا يرحمكم اللـه .. !
حسين الرواشدة
21-07-2013 06:45 PM
ما الذي يتميز به إخواننا في الحركة الاسلامية اذا تعاملوا مع خصومهم السياسيين بالمنطق ذاته: منطق الردح والشتائم أو حين يردون على منتقديهم بلغة التخوين والاتهام بالعمالة، لا شيء بالطبع، فالطرفان عندئذ يستويان أمام موازين واحدة، والشاطر من يمتلك “قاموساً” يغرف منه ما شاء من المفردات “البائسة” اما الكاسب فهو من لديه الادوات والمنابر التي تمنحه فرصة للاستمرار في الهجوم، ولا اعتقد ان لدى “الاسلاميين” مقارنة بخصومهم ما يمكنهم من الاستمرار في ترف الصدام والمنازلة.
هنا لا بد أن نذكر اخواننا “المتحمسين” في الحركة التي نحترمها بأنهم دعاة أولاً، وحملة رسالة ثانياً، وبأنهم اختاروا أن يكونوا “حراساً” على القيم والاخلاق، التي تعني أول ما تعني ان يَسَعوا الناس بأخلاقهم، وان يتعاملوا مع غيرهم بمنطق “الاسلام” العظيم، لا بمنطق السياسة “الرائجة” التي اغرقت نفسها في الانتهازية.
نذكرهم - ايضا - بأننا تعلمنا في مدرسة الاسلام التي تفرعت منها مدرسة “الاخوان” بأن من باب واجب من يتقدم صفوف العمل العام ان يتحمل نقد الخصوم وظلمهم، وان يستوعب الرأي الآخر حتى وان كان مجحفاً، وان يقدم “النموذج” عندما يواجه الابتلاء والامتحان، وان يحمل الناس على حب الدين بدل ان ينفرهم منه بالخروج عن آدابه ومقاصده.
ثمة من يسيء الى الحركة من خارجها، وهؤلاء مكشوفون واجندتهم معروفة، ويمكن الرد عليهم “بالتي هي أحسن”، لكن ثمة من يسيء الى الحركة من داخلها، ويشوّه تاريخها ومواقفها، وهؤلاء أخطر عليها من خصومها، ويفترض ان يثيروا غضب الحركة قبل ان يثيروا غيرها، وان يؤخذ على ايديهم وألسنتهم، لأنهم لا يتركون للحركة صديقاً ولا متعاطفاً.. وخاصة في مجال الاعلام الذي لا تمتلك الحركة - للاسف - منهجاً للتعامل معه، ولا ما يكفي من ادوات ومنابر للرد عليه، ولا “كوادر” لمشاغلته بما يلزم من مهنية وموضوعية واتقان، وبالتالي فان من يخسر في هذه “المواجهة” التي تختل فيها موازين القوى والامكانيات هم الاخوان.. والمتعاطفون معهم ايضاً.
في الاسابيع الماضية تعرض الاسلاميون في بلادنا “لهجمة” كبيرة، وتم تحميلهم “اخطاء” لم يرتكبوها بجريرة ما حدث في مصر، ووسط مآلة “الانقسام” السياسي والاعلامي حرصت وغيري من الزملاء الكتاب - ان انحاز للدفاع عن المشروع والمشروعية وعن الديمقراطية ايضا، كما وجد غيري انفسهم في الاتجاه الآخر، بعضهم كان قاسيا ومجحفاً، وبعضهم كان يعبر عن خصومة مع المشروع واصحابه، لكن ردود بعض “اخواننا” في الحركة كانت بائسة للاسف، فبينما اكتفى البعض بالفرجة حتى اننا لم نسمع من “منصف” منهم كلمة اشادة واحدة - مع اننا لا ننتظرها - فنحن لا ندافع عنهم وانما عن الفكرة والموقف والضمير الذي يمثلونه، بادر البعض الآخر - للاسف - لاتهام الجميع “بالعمالة” وطردهم من الملة الوطنية والدينية ووصفهم بأسوأ الصفات، وأُشهد الله انني “حزنت” فعلاً حين قرأت لأحد أساتذتنا مقالاً يطفح بالاتهامات لصحيفة نعتز بالانتساب اليها، لمجرد انها نشرت عنوانا أغضب “الشيخ” فانهال على الجميع بالشتم والتحقير والاساءة متناسياً ان الصحيفة ذاتها نشرت لي ولغيري عشرات المقالات التي تستنكر الهجمة على “الاسلاميين”، وتنصف مواقفهم، وتكشف خيوط “الانقلاب” الذي تعرض له اخوانهم في مصر، هذه كلها للاسف لم تستحق من استاذنا مجرد اشارة او كلمة انصاف، مع ان الاولى ان يستهدي بقوله تعالى: “ولا يجرمنكم شنآن قوم على ان لا تعدلوا، اعدلوا هو اقرب للتقوى”.
اعرف ان “الاخوان” يتعرضون لحملة قاسية من التشكيك والتشويه والتهميش والاقصاء، وان من حقهم “الرد” والتوضيح ومواجهة الخصوم اعلامياً وسياسياً، هذا مفهوم ومشروع، لكن هل يجوز ان يكون هذا الرد وذلك التوضيح بتبادل الشتائم والاتهامات، هل يعقل ان نسمع من “الاسلامي” ذات اللغة التي يكتب بها خصومهم، وهل يقبل بمنطق الشرع والاخلاق ان يعمم خطاب الادانة على الجميع دون اعتبار لمن اخطأ أو لمن اصاب.
من واجبي ان أصارح اخواننا في الحركة الاسلامية بأنهم اخطأوا في الرد واخطأوا في “استيعاب” الخصوم وفي تشجيع المتعاطفين معهم، وان اصارحهم بأنهم يفتقدون للمنابر الاعلامية التي يمكن ان تحمل فكرتهم، وللخطاب الاعلامي والسياسي المقنع والمؤثر في التعامل مع الازمات التي يواجهونها، كما ان بينهم “اشخاصا” لديهم قدرة عجيبة على الاستفزاز والاثارة ودفع الآخرين الى “التشكيك” بهم، وهؤلاء عبء على الحركة وعلى الدعوة والسياسة ايضاً، ويا ليت انهم يدركون بأن مشكلتهم مع هؤلاء أخطر من مشكلتهم مع خصومهم، وبأن نجاحهم في “كبح” جماح المحسوبين عليهم اهم من نجاحهم في اسكات المتحاملين عليهم.
بقي لدي كلمة اخيرة وهي ان انحيازنا “للاسلاميين” حينما يتعرضون لمثل هذه الابتلاءات، ليس دفاعاً عن اشخاص أو حركات نعرف انها تخطىء وتصيب، وانها معرضة للنقد كغيرها، وانما انحيازنا دائما “للدين” الذي يحملونه والدعوة التي يبشرون بها، ومشروع الامة الذي اختاروا ان يكونوا احد عناوينه، ولهذا اقول لهم: استقيموا يرحمكم الله.. ولا تدفعوا خصومكم للتشفي بكم ولا المتعاطفين معكم للانفضاض من حولكم، ألم تسمعوا قوله تعالى لرسوله الكريم: “ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك”.. ألستم أولى الناس بالاقتداء بالرسول الكريم.
الدستور