يخطىء من يعتقد أن الحكومة قدّمت إجابات شافية، لأسئلة مشروعة، حول التعامل مع إرتفاع أسعار المحروقات، عندما تُقدم على تحرير سوق المشتقات النفطية بداية هذا العام، كما اعلن وزير المالية امام مجلس النواب في الرابع والعشرين من كانون الاول. فالخطاب لم يدلنا كيف ستتعامل الحكومة مع الإرتفاع المرعب في أسعار النفط، غير القول بأن مسيرتنا الاقتصادية واجهت العام الحالي، وخاصة في نصفه الثاني، ضغوطات حادة جراء الإرتفاع المحموم في الأسعار العالمية للسلع المستوردة، لا سيما أسعار النفط والحبوب، التي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، مما إضطر الحكومة لإصدار ملحق ثان للموازنة في أيلول الماضي، بقيمة 500 مليون دينار.
وشرح الخطاب أنّه بالاضافة إلى الملحق الأول بقيمة 78 مليون دينار، والذي صدر في نيسان الماضي، لتغطية زيادة الرواتب للعاملين والمتقاعدين في الجهازين المدني والعسكري، ومع إستمرار وتيرة الإرتفاع في أسعار النفط العالمية، تحمّلت الخزينة أعباء إضافية بمقدار 80 مليون دينار زيادة على المخصصات، التي تمّ رصدها لهذه الغاية، في ملحق الموازنة الثاني.
وأشار الخطاب بشكل مبهم، ودون تفاصيل، أن مشروع قانون الموازنة العامة للعام المقبل أولى “أهمية” كبيرة لموضوعي الطاقة والمياه، حيث تمّ رصد حوالي 158 مليون دينار لتنفيذ العديد من المشروعات الكبرى، مثل جر مياه الديسي، وشبكات توزيع الغاز الطبيعي، ومشروعات الطاقة المتجددة، بالإضافة إلى تنفيذ إستراتيجية وطنية للحفاظ على مخزون مناسب من مصادر الطاقة المختلفة، لتحقيق أمننا الإقتصادي والوطني بمفهومة الشامل!
من الواضح عجز هذا الخطاب عن إدراك مدى شغف المواطن، قبل النائب، لمعرفة ماذا لدى الحكومة من خطة، أو إستراتيجية، للتخفيف من وطأة أسعار المحروقات، التي سترتفع إلى مستويات شاهقة، لن يقوى الفقير، أو الغني على السواء، معالجة تاثيرها العميق على دخله المتآكلة قوتة الشرائية، بنسبة تتعدى 30% إلى 50% وفق تقديرات متحفظة لخبراء اقتصاديين وماليين.
من المعلوم أن نسب التضخم المعلنة، والأرقام القياسية لغلاء المعيشة، لا تغطّي إلا الأساسيات من السلع والخدمات، غير أنها لا تشمل متطلبات الحياة، التي إتّسع طيفها إلى مياه الشرب المعبأة مثلاً في مناطق التلوث المائي، وكذلك إستخدام الغاز المنزلي والكهرباء في التدفئة ، إلا إذا تغاضينا عن نوعية المياه، وسلّمنا بمشكلة القضاء على الثروة الحرجية، بعدما جار عليها الفقراء الباحثون عن التدفئة الرخيصة، أو المجانية.
خطاب الموازنة لم يتضمن ما يشير إلى “دعم” المحروقات، ولو بنسبة بسيطة، وإكتفى بتبنّي شبكة الأمان الإجتماعي بكلفة 301 مليون دينار، وتتضمّن رفع الرواتب، وهو ما يعني زيادة التضخم إلى نسب غير مسبوقة في المقبل من الأيام، وليس كما يؤكد عليه الخطاب بين 8% الى 9% كما ستثبت التجربة ، فالحرص على تحقيق معدلات نمو حقيقية قد تصل إلى 6% دون اللجوء خفض حقيقي في النفقات، والتي يتوقع نموها بنسبة 8,8% يعني ان التضخم ليس شأناً مهماً، أمام المحافظة على قوة دفع ونماء الإقتصاد لجذب المستثمرين على حساب حياة المواطن.
إخفاء المعلومات
إعتادت الحكومات على مر السنين على إخفاء معلومات طالما بحث عنها الناس، وتداولوا تقديرات لأرقامها، وهي السعر الذي تدفعة الحكومة لبرميل النفط الذي تشتريه، وهي التي تخادع بإعلان السعر العالمي للنفط كمرجع، والمقصود ثمن برميل “برنت”، وهو لا يصلنا أصلاً، ولا نبتاعه، كما أن الحكومة لا تخبرنا بالمنح النفطية، وكمياتها الآتية من الشقيقات السعودية والامارات والكويت، وهي قد تكون على شكل منح مالية لشراء النفط من الاسواق العالمية، دون إعلانها، حتى لاتشكل عبئاً يتجنب الأشقاء الحديث فيه. كما إننا لا نعرف السعر الحقيقي الذي تبيع فيه إلى مصفاة البترول، ومن ثم تحدّد ثمن المبيع إلى محطات التوزيع والمستهلك.
المهم في الأمر أن التسريبات، التي تبعت الخطاب، تبشّر بزيادات مالية يطرب لها الموظفون والمتقاعدون، دون أن يدركوا الآتي جراء “تحرير” أسعار المحروقات من تداعيات سيكون لها وقع “أحجار الدومينو”، في تتابع قفزات أسعار الدواء والغذاء والكساء والأدوات والخدمات، وستسعى الحكومة إلى إقناع النواب بوجهة نظرها، وستساوم على الزيادات، وإطلاق الأسعار، وهو ما يطرح سؤالين: أين هي الموازنات الموجهة؟ وهل يقوى المواطن على تحمّل ما “يحز” رقبتة إلى حد الخنق؟
**عن مجلة "اللويبدة"