أولاً أنا لست إخوانياً ولكني ممن يؤمنون بأن عزل الرئيس مرسي يعد إنقلاباً حتى ولو تم تلطيفه بعدم إستلام الجيش للسلطة بشكل مباشر في مصر. علماً بأن للجيش الأثر الفاعل في إدارة الدولة ليس أمنياً فقط بل سياسياً وإقتصادياً ولكن من وراء حجاب، كما أني لا أؤمن بأن يتنازل جزءًا من الشعب المصري عن تقدميته ورقيه الديمقراطي ليهجر ما إستقر عليه التطور الإنساني بالتعبير ديمقراطياً بالإنتخاب عن تنصيب الحكام، ليخرج الى الشوارع بصورة غير بريئة ويطالب بنسف آلية تداول السلطة والتي أفرزت لأول مرة في تاريخ مصر حكماً ديمقراطياً منتخباً. مع تحفظي التام على تقييم الأعداد وتبرير الدوافع وشكل الطريقة وحجم المقابل الذي خرج من أجله جزء يسير من الشعب المصري يوم 30 يونيو.

يصعب التنبؤ السياسي في مثل الحالة المصرية؛ وذلك لتنوع وتعدد اللاعبين داخلياً وخارجياً على الساحة السياسية كالأحزاب، والجبهات، والحركات ،والعسكر، والفلول، و المؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية و الغرب في ظل غياب وحدة المزاج السياسي ؛ تبعاً للإيديولوجية والأهداف الوظيفية، وفي ظل بيئة ثورية يفترض موجدوها بإباحة ممارسة كل الأفعال والسلوكيات السياسية تحت ذلك العنوان الثوري حتى أن ذلك يبرر التنكر لما إستقر عليه العرف الدولي والمصري. فالشعب المصري يعيش الأن أزمة ثورية، لم يستقر بعد على ثورته هل هي 25 يناير أم 30 يونيو.

مما يؤكد على صدقية الإفتراض السابق حالة الفوضى التي تلف حركة تلك القوى وسبل تفاعلها مع المخرجات الديمقراطية بنوع من عدم المسؤولية السياسية. فقد يقول قائل بأن الأمور قد حُسمت في مصر وأن حكم النظام السابق قد ذهب إلى غير رجعة وأنه الآن يجب عليه التسليم بالمستجدات السياسية ويتخلى عن الديمقراطية ويندمج في النظام الجديد ويشارك بالحكومة ويدخل في المصالحة السياسية؛ إنطلاقاً من مبدأ سياسة الأمر الواقع! . أقول لا تعولوا كثيراً على هذا، فالمزاج المصري لا زال غير منتظم وغير قادر على التحكم بتدفق الأدرينالين داخل صفوفه فهو قابل للإرتفاع والإنخفاض دون حالة من الثبات و لا يمكن التكهن بدواخله وتوجهاته؛ خاصة أننا أمام حالة سابقة تم إزاحتها والتآمر عليها بالرغم من كونها قد تتصف بالإستقرار النسبي إلى حد ما ، فوجود رئيس منتخب منذ عام بطريقة ديمقراطية قال الداخل والخارج رأيه فيها بمنتهى التجرد من حيث نزاهتها، ومجلس شورى منتخب، ودستور عامل، وبالتالي من المفترض أن تكون هذه الحالة أكثر ثباتاً من نظام سياسي تم خلقه لفتره إنتقالية يفتقر للشرعية والمؤسسات السياسية المنتخبة ويعاني فراغاً رئاسياً ولو إلى حين، ولا زال عمره أقل من شهر. إذاً فإعادة الأمور في جو تهادن وتفاهم إلى ما كانت عليه أسهل من إستمرارها.

"رابعة العدوية " الذي بدأ يسرق الشهرة من ميدان التحرير، 23 يوم إلى الآن صموداً من حيث الديمومة والجماهيرية والتنظيم والحجج السياسية المقنعة فالموقف أكثر ثباتاً و تسويقاً، فالإصرار على البقاء، وتنوع المكوّن من أطفال وشيوخ ونساء وإخوان وأقباط ويساريين و نخبة وجماهير وغيرهم من ألوان الطيف المصري، ساهم بالتأثير ا في معطيات المعادلة الإنقلابية. في "رابعة" تجد المسرح المصري الساخر، والفعاليات السياسية والثقافية والدينية ونشرات الأخبار وبلغات متعددة ، وتكريم المتفوقين وغيره فالإيمان بالقضية والإستعداد للدفاع عنها بكل الوسائل، كلها مؤشرات إيجابية تقترب من تغيير ما حدث إنقلابياً.

وبالتوازي فإن ضخامة الجماهير المصرية التي خرجت بإصرار أول أمس في " جمعة كسر الإنقلاب " في أغلب الميادين والمحافظات المصرية لا شك سوف تؤخذ بالحسبان إقليمياً ودولياً هذا إذا ما سلّمنا بمسوغات حجج الإنقلابيون الذين وقفوا إلى جانب الشعب في تطلعاته، أليسوا هؤلاء شعباً !؟ ، إضف إلى ذلك عدم وجود إجماع دولي للإعتراف بالنظام الجديد وحذر حتى من المعترفين أنفسهم، وتعليق عضوية مصر في الإتحاد الأفريقي و التفاعل الدولي من خلال خروج المعارضين للإنقلاب في بعض الدول، والتي قد تكون خجولة ولكن قوتها بعدم وجود ند لها في تلك الدول لغاية الآن على الأقل.

إنها لعبة الميادين المصرية إذاً من يحشد يحصد ، ولكن ألا تتفقون معي بأن الفقراء والمهمشين هم الأكثر إندماجاً في الحشود لأسباب عديدة، كالفقر والبطالة والبساطة ، والبساطة هنا ليس المقصود بها السذاجة بل فهم العناوين الثورية بصدقية وبمحلية بعيداً عن التجاذبات الخارجية ، وأنهم أكثر تمثلاً ودعماً لمن هو على شاكلتهم، ألم نلحظ زيادة حقيقية وغير " هوليودية " - كتلك في 30 يونيو - بدأت تنحاز للرئيس المعزول ؟ وبدأت تتكشف أولاً بأول حقائق الإنحياز "السيسي" المزعوم للشعب خاصة بعد ظهور طمعه في السلطة فهو النائب الأول لرئيس الوزراء ووزير الدفاع، وبدأ التسريبات الإعلامية تتحدث عن نيته الترشح للرئاسة بالرغم من النفي ولكنها تسريبات لجس نبظ الشارع المصري.

كما أن الأخطاء المرتكبة من قبل الجيش والشرطة في وقعات وسقطات متعددة كالحرس الجمهوري، ورمسيس، و6 أكتوبر، والمنصورة، وعدد من قتل من المصريين بدأت بخلق حالة من الندم وتحول في بعض المواقف المدنية والعسكرية إزاء الأحداث الجارية، أضف لذلك البدائية السياسية التي يتعامل معها الجيش والقوى المناوئة " لمرسي" من حيث محاولة التحشيد داخلياً يوم الجمعة الماضي تحت عنوان جذّاب للمصريين " جمعة النصر" وإحتفالات نصر أكتوبر، ومحاولة خلق توازن بشري يعدل الطرف الآخر ليبرر للخارج ثبات موقف "الخارجين " في يوم 30 يونيو. إلا أنهم لم يستطيعوا فعلها مرة أخرى، حتى في ظل استخدم أساليب الترغيب وشراء الذمم القادمة " الكوبونية " من سماء التحرير عبر مروحياته، في المقابل كان التحذير و الوعيد ينزل من السماء فوق رابعة العدوية يا لها من مفارقات!! هل هذا هو الجيش الوطني الذي تغنينا به عندما حمى كل المتظاهرين وانظم لهم في 25 يناير عند مقارنته بالجيش السوري والليبي واليمني؟ .

خارطة الطريق هي الأخرى خدمت بشكل غير مباشر، عندما أخرت الإنتخابات الرئاسية إلى أجل غير قريب قد يمتد من ستة إلى تسعة شهور في أحسن الأحوال والتمديد وارد . وبالتالي المرونة في الإنسياب الحراكي الرافض تكون أقوى في ظل فراغ رئاسي حقيقي، بغض النظر عن الرئيس المؤقت. كل المؤشرات بقراءة متأنية تثبت أن الظروف تتحلل من الإنقلاب بإتجاه الشرعية، خاصة بوجود الخلافات والإنقسامات المصاحبة التي سوف تنشأ عن تفاعلات تعديل الدستور أو إلغاؤه، وانتخابات مجلس الشورى والنواب .

اردنياً لا بد من قراءة المشهد قراءة هادئة ومتزنة وحكيمة وبدون تسرع ، فالأوضاع لا زالت مائية ولم تتشكل بعد ، حيث ينبغي التصرف وفقاً لمصالحنا بغض النظر عمن يتصدر المشهد الآن في مصر، لقد إعتدنا على سياسة خارجية معتدلة تتعامل بواقعية ، فزيارة جلالة الملك الى مصر بالأمس تأتي في إطار الإعتراف بالرئيس الجديد كونه من قسمات الأمر الواقع وإستثمار الزيارة في تعزيز مصالحنا مع مصر وبالأخص ملف الطاقة، وعلى الجانب الآخر تسمح الحكومة دون تضييق للوقفات والمسيرات المؤيدة لشرعية الرئيس "مرسي" بالإنسياب السياسي، كما أن قناة " اليرموك " الفضائية والتي لانشك بوطنيتها تبث الأحداث المصرية خاصة الموالية للرئيس "مرسي" دون إنقطاع ، تحت نظر الحكومة ومن غير تشنج حكومي لموقفها الحالي على الأقل.

adel.hawatmeh@gju.edu.jo