الشرعيّة بين الصندوق والممارسة (2/3)
أ.د عمر الحضرمي
20-07-2013 06:59 AM
بعد أن بيّنا في العجالة السابقة مرتكزات الشرعية، نقول إن ما أثير عشية الثلاثين من حزيران الماضي في أروقة الشوارع والأندية السياسية المصرية، قد تناول مفهوم الشرعية، وهو المصطلح الذي تكرر على لسان الرئيس المصري السابق محمد مرسي، حوالي سبعين مرّة، في آخر خطاب له. وأكد، هو وأتباعه، أن الإخوان ومحمد مرسي قد جاءوا إلى الحكم عن طريق صناديق الاقتراع. وأن هذا قد مثّل لهم الشرعية المستمرة، وبالتالي فإنه لا يحق لأحد أن ينتزع منهم السلطة إلا بعد أربع سنين، حين تجري انتخابات جديدة تُسمّي صناديقها مَنْ هو الحاكم. وهنا تناسوا بكل وضوح أن الصندوق الانتخابي هو ورقة يضعها المواطن في داخل الصندوق لتعبر عن رأيه، فماذا نقول إن عاد هذا المواطن بشحمه ولحمه ليقف في الميادين ويقول إني قد سحبت التوكيل الذي فوّضت به هذا الحاكم، ألا يعكس ذلك قوّة أكبر ومباشرةٍ أكثر من الإدلاء بالصوت والتعبير عن الرأي بالنيابة؟
وهنا نسأل هل الديمقراطية هي مجرد صندوق انتخاب أم أنها مناخ عام يسمح بالحرية حتى لو خالف رأي الفرد باقي الثمانين أو التسعين مليون مواطن؟
أليس من الوجوب أن يضمن هذا المناخ الحماية لهذا المواطن، ويضمن له الحق والحرية في نشر آرائه ما دام لم يستخدم العنف أو التنظيم المسلّح؟ أليس من الواجب أن يضمن هذا المناخ عدم اضطهاد المواطن والتمييز ضده بسبب الدين أو اللون أو الجنس؟ لكن أن تُختزل الديمقراطية في صندوق يسبح في فضاءات ملوثة بالعنصرية وملوّثة بالفاشية الدينية والإقصاء الفكري، فهذا هو خدعة كبرى. فصندوق الاقتراع هو الذي جاء بهتلر في ألمانيا في مناخ فاشي عنصري، روّج لنظرية الجنس الآري والدم الألماني الأزرق المتميّز. وهي ذات النظرية التي ارتكز عليها الإخوان في مصر عندما قال الشيخ حازم أبو إسماعيل والكثيرون من قادة الإخوان في مصر، «إن الإخواني هو الأنقى الذي لا يتزوج إلا الإخوانية الأطهر»، وقال من قبل «إن على الإخوان ومرشحيهم أن يَثْبُتُوا أمام كفار قريش في موقعة أحد جديدة».
يجب على قادة الإخوان المسلمين أن يدركوا أننا نحيط علماً بحقيقة أن مفهوم الشرعيّة يشكل مركزية متكاملة في الفكر الإسلامي، تقوم على أن الشرعية هي مفهوم متكامل الجوانب، باعتبار أن الدين الإسلامي هو دين له بعد سياسي، والسياسة الإسلامية هي سياسة دينيّة، والشرعية لا بد أن تكون دينيّة، وهي بهذا المعنى واحدة ومطلقة، تحيط بكل المقوّمات والعناصر والتطبيقات الأخلاقية والاجتماعية والقانونية والسياسية. وتقول الشرعية الإسلامية، «قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن رأيتموني على حق فأعينوني، وإن رأيتموني على باطل فسددوني وقوموني. أطيعوني ما أطعت الله فيكم. فإن عصيتُ فلا طاعة لي عليكم». وقالت «من رأى منكم فيّ اعوجاجا فليقوّمه. فقالوا والله يا عمر لو رأينا فيك اعوجاجاً لقوّمناه بحد سيوفنا».
وهنا نعود إلى أصل مقاربتنا، هل الشرعية هي صناديق الاقتراع فقط؟ وهل وصولات النجاح في أي انتخابات يعني، بالضرورة، استمرار الحاكم إلى نهاية ولايته حتى لو سقط في مآزق التجربة والممارسة؟ أليس هناك أي بقعة في العالم لا تقول بإنه لا ديمقراطية بدون معارضة؟ وهل هناك إمكانيات واردة بقوة تقول إن بعض الأنظمة السياسية التي جاءت نتيجة للانتخابات قد فشلت في الأداء وبالتالي فإنها فقدت شرعيتها؟
في 30 حزيران خرجت جماهير غفيرة، عن بكرة أبيها، لتقول لحكم الإخوان إنكم فشلتم، وإنكم لم توفوا بوعودكم التي أسرفتم في إطلاقها عشية الانتخابات، حين قلتم إنكم ذاهبون إلى «المشاركة لا المغالبة». وإنكم ستعملون على حل المشكلات الجسيمة التي تواجه الجماهير العريضة. ولكن ما شهدناه أنكم ذهبتم بعيداً في «المغالبة» مصرّين على خطأ جسيم وهو إيمانكم بأن الديمقراطية هي مجرد آليات تُمثل أساساً في صندوق الانتخابات آيا كانت نتيجتها؛ وغافلين عن أنها هي أيضاً مجموعة متناسقة من القيم التي لو تم إزهاقها فإن نتائج الصندوق تغدو لا قيمة لها.
بقي لنا حديث يصل إلى حدود ممارسة الضرب بالودع، يتناول خرافات في القرن الحادي والعشرين كانت الجاهلية قد رفضتها وتنكّرت لها.
الرأي