لست من المعجبين أبدا بالبرامج الوعظية، سواء أكانت على صعيد الدعوة الدينية التي تختدم اسلوب الترغيب والترهيب، أو المحاضرات في مجال السياسة والثقافة أو حتى التوعية التقليدية في البرامج والقطاعات التنموية واشعر أن فيها نوعا من التعالي على المشاهدين والمستمعين. لكن الاستثناء الوحيد الذي شعرت بقيمته هو برنامج «خواطر» الذي يقدمه الداعية والمثقف السعودي المتميز أحمد الشقيري.
أشاهد البرنامج للمرة الأولى في موسمه الحالي وأعترف بأنه العمل الأفضل على الإطلاق في شهر رمضان منذ عدة سنوات. في حلقة لا تتجاوز 20 دقيقة يقدم الشقيري نماذج من العالم ترتبط بالإبداع والقدرة على التفكير السليم والجدية في العمل بهدف تحقيق المصلحة العامة للمواطنين. ما يقدمه الشقيري هو أمثلة على الأخلاق الإسلامية في العمل والسلوك والحضارة ولكنها موجودة في دول غير مسلمة، أو دول مسلمة غير عربية بخاصة تركيا وماليزيا.
بهدوء وخفة دم ووضوح، ودون وعظ وتخويف أو إهانات أو تصنيف للناس يظهر الشقيري لجميع مشاهديه كيف يجب أن تكون الأخلاق والتعامل الحسن سواء على صعيد الناس العاديين أو فيما يتعلق بأداء والتزام الحكومات تجاه شعوبها وموطنيها وأن مثل هذه السلوكيات والممارسات ليست إعجازية بل تتطلب قدرا معقولا من التخطيط والمعرفة والجدية وتنطلق من الحديث النبوي الشريف :»إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه» والذي يشكل القاعدة الإدارية الأهم التي يمكن لأي شخص أن يلتزم بها في العالم.
ميزة هذا العمل مزدوجة. من جهة يقدم للمشاهد العربي والمسلم نماذج تطبيقية على قيم الإسلام وكيف يمكن تنفيذها في السلوك والإخلاص في العمل وبنفس الوقت ايضا يقدم له صورة إيجابية عن بقية الثقافات والشعوب والدول تسهم بتجسير هوة المعرفة والثقة والحوار بين الحضارات المختلفة.
الميزة الأخرى أنه لا يعود إلى التاريخ من أجل الحصول على أمثلة حول قيم الإسلام الأخلاقية والإدارية والسلوكية بل يستند إلى الحاضر والقضايا المعاصرة وبالتالي يربط المسلم العادي بواقعه الفعلي الذي يمكن أن يؤثر به وليس بحالات استثنائية في التاريخ الإسلامي من الصعب أن تتكرر الآن لاختلاف الرجال والظروف.
يحتاج المشاهد العربي والمسلم إلى المزيد من هذه البرامج العصرية والتي تتضمن معرفة سليمة ورسائل أخلاقية عالية وتحفيزا على الإبداع والإخلاص في العمل واحترام الثقافات الأخرى. أحمد الشقيري تمكن من تغطية فراغ كبير في هذا الشأن ويستحق كل الشكر والتقدير.
الدستور