تضمن تقرير مؤشر السلام العالمي مستخلصاً يفيد بتدني السلمية العالمية، بالنظر إلى الحرب المستعرة الدائرة في سوريا، العراق، مصر، والسودان واليمن، واستمرار الاعتداء الإسرائيلي على الفلسطينيين في بلادهم وخاصة في غزة.
كذلك عدد ارتفاع حالات القتل في المكسيك، وأمريكا الوسطى – نتيجة تهريب المخدرات – والعديد من دول جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، وزيادة الأنفاق العسكري كنسبة مئوية من إجمالي الناتج المحلي في العديد من الدول.
وجد التقرير أن أوروبا وفي طليعتها إيسلاندا والدنمارك والنمسا، هي من الدول الأكثر سلماً في العالم.
بينما كانت بعض المناطق بآسيا الأقل سلماً بسبب المشاكل المستمرة في أفغانستان والباكستان.
تقدّر ميزانيات الدفاع والأمن الداخلي العالمي في عام 2012، بمقدار 9.5 تريليون دولار، أي 11% من إجمالي الناتج العالمي، وذلك بسبب منهج العنف المتزايد في بعض المناطق لأسباب مختلفة، كما يعتبر هذا الرقم ضعف إنتاج العالم من الغذاء.
لو قام العالم بتخفيض إنفاقه على العنف بمقدار 50%، لكان بوسعه تسديد ديون العالم النامي والتي تقدر بـ 4000.00 (أربعة آلاف مليار دولار) وتوفير أموال كافية لصندوق آلية الاستثمرار الأوروبي، وتغطية النفقات السنوية للأهداف الإنمائية.
لقد أدّى خفض ميزانيات الخدمات العامة والحماية الاجتماعية إلى زيادة البطالة، وازدادت التظاهرات والجرائم العنيفة، والميول الإجرامية في العديد من الدول جراء ذلك.
أما الولايات المتحدة، التي يجري تخفيض ميزانياتها العسكرية بشكل متواضع، ولكن ضخامة جيشها، وتورطها في العديد من الدول في صراعات خارجية، وارتفاع معدل السجناء، وسهولة الحصول على الأسلحة الخفيفة بداخلها، يجعلها أقل سلماً من العديد من الدول.
لكن هناك بعض الدول العظمى، لا ترغب في حقيقتها في السلم والاستقرار العالمي، حتى تبقى تحكم العالم، وحتى تستمر صناعاتها العسكرية، بإنتاج الترسانات وبيعها للدول الأخرى، ولا يهمها عدد القتلى أو الجياع في تلك البلدان.
تفيد تقارير الأمم المتحدة بأن كل 10 ثوانٍ يموت طفل في العالم أي ثلاثة ملايين طفلاً سنوياً (3.087.900) بسبب سوء التغذية، لا لأن والديه مهملان أو غبيان أو كسولان، بل لأن الحظ خانه، فجعله يولد في زمان ومكان لا يتوفر فيهما سوى النذر اليسير من الغذاء، ولا يستطيع الناس شراءه مع ذلك.
يعتبر 12.5% من سكان العالم من الجياع وهذا يعادل 870 مليون نسمة مع العلم أن عدد سكان الدول العظمى الثمانية لا يتجاوز 890 مليون نسمة.
لقد كان المطلوب من الدول الغنية أن تعزّز المعونة للدول الفقيرة، وإلغاء الديون وجعل التجارة عادلة.
أعود واذكر كما كتبت في مقالات سابقة، بأن مجموع الدول العربية بعدد سكانها 350 مليون نسمة تقريباً، ودخلها القومي 1 تريليون دولار تقريباً، فلو تم استثمار 10% منه أي 100 مليار دولار سنوياً في مشاريع إنتاجية، لما بقي لديها عاطل عن العمل أو فقير، ولجم العنف إلى أدنى مستوياته واستتب السلام في جميع البلدان.
يمكننا تشجيع الزراعة في الأراضي الخصبة المتوفرة لدينا، بتوفير البذور والمعدات ونشر الوعي بكيفية الحصول على غذاء أكثر من قطعة الأرض الواحدة، والوصول للتكامل الاقتصادي العربي، وبهذا يمكن استخدام ذلك لتوفير شبكات الأمان، لمساعدة الناس الذين عجزت قدراتهم المحدودة عن كسب العيش.
هذه سنغافورة كمثال حي على البلدان التي تتمتع بالأمن والاستقرار، وقوة الاقتصاد، بفضل السواعد القوية، والديمقراطية الحقيقية، مع العلم أنها بلد، لا ماء به، ويجلبونه بالأنابيب من ماليزيا على بعد 700 كم.
لقد أصبحت قوة اقتصادية كبيرة، بفضل الإنتماء لتراب الوطن والإرادة الصلبة، والنزاهة لدى حكامها، فلا يعتدي أحد على الدستور، ولا يخرق القانون والكل سواسية أمام القانون.
الجوع كافر، وثورة الجياع مدمرة وأشد من ثورة العبيد في العصور الماضية.
فلو نظر الحكام إلى شعوبهم واختاروا الأصلح لإدارة موارد البلاد، ومنعوا الفساد، وتساوت الفرص، وحاربوا مراكز القوى وقوى الشد العسكري، الذين هم الأعداء الحقيقيون، ويشكلون جبهة حرب مستمرة ضد أوطانهم، دون أن تفرض الحرب السياسية والعسكرية من خارج حدودهم، وحين توضع الأمور في نصابها الصحيح، سيستفيد كل فرد من المقدرات الضخمة التي وهبنا الله بها، وأصبح هناك تكافل اجتماعي يعم الجميع.
بعد هذا لن يعترض إنسان على حاكم نظيف يعمل لصالح شعبه ووطنه، وسيرفعونه فوق الأعناق، ويحمونه من كل عابث ودخيل، ويسود الأمن والسلام والاستقرار المنشود في ربوع الوطن كله.
dr.sami.alrashid@gmail.com