هو خاطر يراودني كما الملايين مثلي كلما تناثرت اشلاء هنا وهناك نتيجة قنبلة حقودة او رصاصة حب تحمل موتا او نيران صديقة. فمن ايام خلت، ايام نعيشها كل يوم، قرأت فيما قرأت خبرا بعثرني هنا وهناك وهو تفاصيل استشهاد عائلة فياض التي فقدت خمسة من افرادها في ثوان.
وقع الانفجار.... فهرعت الام تتفقد نتائجه لترى اشلاء متناثرة خارج المنزل لولديها وقريبهم،، وما كادت تخرج حتى اصابتها رصاصة غدر اسرائيلية لتلقى مصير ولديها، مصير قد يكون راحة لها من حياة ثكلت فيها ابنيها. ويختتم الخبر بالقول ان ابنتها اطلت برأسها سعيا منها لمعرفة الخسائر على الاقل فما كان الا ان لحقت بهم لتصبح جزءا من المجزرة.
خمسة اشخاص من عائلة واحدة لم ترتكب جرما سوى كونها فلسطينية بجريمة عظمى هي التشبث بالارض واختيارها العيش في فلسطين.
حين قرأت الخبر وشاهدت قصة عائلة حمدان التي احتلت صورها صفحات المطبوعات وعناوين الاخبار رجعت ذاكرتي الى الوراء سنوات قليلة حين اصاب صاروخ فلسطيني مستوطنة اسرائيلية ليقتل فتاة جامعية اسرائيلية بالطبع. فما كان من والدها الا ان استدعى كل وكالات انباء العالم ليطلعهم (متحدثا باللغة الانكليزية) على المجزرة البشعة التي ارتكبت بحق ابنته البريئة التي كانت تتوق لتحيا وتحقق احلامها النبيلة، الا ان صاروخا فلسطينيا اصابها منهيا حياتها.
لنحاول تبديل الاماكن، بعد ان نفرض جدلا ان النيران الفلسطينية المتواضعة قادرة على قتل خمسة اشخاص من عائلة اسرائيلية دفعة واحدة. وان القناص الفلسطيني قد استطاع المرور عبر كل المحاسيم والمركبات و الجدران العازلة والجدار الاكبر.
لو كانت عائلة فياض يهودية، لكان المكان طوق في الحال من قبل الشرطة الاسرائيلية، ولكانت الاشلاء المتناثرة مغطاة اجلالا لها. علامات ممنوع المرور في كل مكان، وفي ظرف دقائق ترى كل وكالات انباء العالم او على الاقل ابرزها في المكان تنقل بالصوت والصورة الحدث وشهادات شهود العيان. ثم تتم استضافة محللين سياسيين للمشهد والتاريخ الاسرائيلي للتحدث عن الوضع الجائر الذي يعيشه الاسرائيليون في ظل الاحتلال الفلسطيني. وكيف ان الكره تاريخي للشعب الاسرائيلي المسالم، وثم يظهر الف قريب وولد واخ للعائلة بل وصديق ومقرب ليتحدث عن وداعة (الشهداء الاسرائيليين) الذي كان احدهم ذاهبا لحضور حفل خيري لصالح مرضى السرطان من الاطفال (قد يكون طبعا مجرما وبالتاكيد متطرفا جل حلمه هو الاستمتاع والسكر بشرب دم عربي)، وكان الاخر ذاهبا الى حائط البراق (او كما يسمونه المبكى) ليصلي للسلام، ولنعرف ان الام كانت رؤوما حنونة حتى على اطفال الاعداء الفلسطيينن.
يظهر الاعلام الاسرائيلي دائما وجها مغايرا لحقيقة الجرائم التي ترتكب بحق الشعوب العربية عامة والشعب الفلسطيني بصورة خاصة.، والمشاعر المسمومة التي يروج لها في المجتمع الاسرائيلي. ناهيك عن المناهج الاسرائيلية والكم المروع من الحقد والكره الذي يربى عليه الاطفال الاسرائيليون للعرب والاغاني الشجية التي تنادي بقتل العرب واسالة دمائهم....الخ. وكلنا شاهدنا بام اعيننا الاطفال الاسرائيليون الابرياء وهم يرسلون هداياهم الصاروخية الى اطفال لبنان في حرب تموز 2006 ولم ينس ارباب البراءة كتابة اهداءاتهم عليها (هدية الى اطفال لبنان).
ماذا لو استخدمنا صور هدايا الاطفال الاسرائيليون الاستخدام الامثل بدلا من الاكتفاء بعرض الصورالتي ادمت قلوبنا واغدقت ارواحنا وعيوننا بالدموع لشهداء لبنان من الاطفال والتي لا يحبذ الاعلام الغربي عرضها لمشاهديه احتراما لمشاعرهم وخوفا عليها.
هي حملة اعلامية اذا. انه الاعلام الفقير لدينا والمترف الثري لديهم وهنا يراودني سؤال، ما الذي يمنع مراسل السي ان ان او البي بي سي واكبر عدد ممكن من وكالات الانباء الوصول الى مكان الحدث حال وقوعه حين يكون الضحايا فلسطينيون او لبنانيون او عراقيون او افغان لتصوير الجريمة ولاعادة السيناريو السابق ولكن من الجانب الفلسطيني واللبناني...الخ؟!
وما الذي يمنع ان يخرج من الشعب الفلسطيني من اقرباء الشهداء (نظرا لحالة عوائل الشهداء العاطفية وبحكم كوننا شعبا قتلته العاطفة)، ما المانع ان يخرجوا حال وقوع الجريمة او سقوط الشهداء للتحدث الى الصحفيين الذين يتولى جمعهم جهات معينة او قريب من اقارب الضحايا ليتحدث للعالم وباللغة الانكليزية والفرنسية وكل اللغات المتاحة عن تلك الجريمة، عن الاشخاص، عن رؤيتهم للسلام الذي كانوا يتوقون اليه وعن احلامهم الصغيرة المتجسدة في ارض وزيتون وحق في العيش.
والسؤال، لم ونحن مقتدرين ثقافيا ولغويا ايضا نغفل هذا الجانب المهم والذي قاد لقيام دولة اسرائيل ووصولها الى ما وصلت اليه اليوم؟ فالموت احرف يومية يسطرها اعدائنا معنا ولكنهم يقلبونها لتصبح ضدنا فحين تقتحم الدبابات الاسرائيلية غزة ونابلس ورام الله دفعة واحدة، يبدأ الخبر لدى التلفزيونات الغربية كالتالي:
"جرح عدد من الاسرائيليين (لا تتعدى اصابات بعضهم او جميعهم كونها صدمات نفسية لا اكثر) جنود او مدنيين في هجوم صاروخي اطلق من قطاع غزة (او المنطقة المراد تبرير الهجوم عليها) وذلك من قبل الارهابيين ثم يتبع وفي خلال الخبر وبصوت لا يكاد يسمع وصور ضحايا تسبب للمشاهد "ارباكا" وذلك بقصد ايهام المشاهد ان الضحايا هم من الاسرائيليين الذين بدأ الخبر بهم ثم يذكر بعدها ان عددا من الفلسطينيين (او ذكر الجهة التي ينتمون اليها) قتل. وينتهي الخبر.
نعم نستطيع وبشتى الطرق، فجل شبابنا يتحدث اللغة الانكليزية (نستخدمها في العمل والمجاملات مع زملائنا من غير العرب) وباستطاعة كل منا ان يكون اعلاميا كل من موقعه. فبالصورة وقوة الحجة...باستخدام العقل والمنطق يمكننا التعامل مع شعوب الغرب ومع العالم اجمع بطريقة تتناسب مع مجتمعاتهم وثقافاتهم والقناعات التي نشأوا عليها. التحليل هو المفتاح بالنسبة للغرب، من هؤلاء؟ من يقتلهم ولم؟ من المخطيء؟....الخ
فالاعلام القادر على قولبة المفاهيم تماشيا مع مصالح اشخاص او جماعات او دول معينة، قادر ان يفتح آفاقا للحقيقة وان يجعل العالم عامة والعالم الغربي خاصة يتنبه الى الكم الهائل من الجرائم التي ترتكب بشكل يومي بحقنا دون القاء اللائمة علينا عملا بالقول"موت وخراب ديار".