بعد أن تلقى الشريف الحسين بن علي البرقيات من الوطنيين العرب في شرقي الأردن ، لإيفاد أحد أبنائه ليتزعم الحركة الوطنية المناوئة للفرنسيين ، اثر مقتل الوزراء السوريين في خربة الغزالة ، وعصيان أهل حوران ، أوفد الشريف الحسين بن علي الأمير عبد الله إلى سورية ، إلا أن الأمير عبد الله كان على خلاف مع البريطانيين ، لأنهم حالوا بينه وبين السفر إلى العراق ، بعد أن بايعه زعماء العراق المقيمون في دمشق ملكا على العراق ، يوم بايع زعماء سوريا أخاه فيصل ملكا على سورية ، وقد استجاب سموه لرغبة والده الشريف ، ورغبة الوطنيين الأردنيين ومن جاء الى شرقي الاردن من السوريين ، وشد الرحال إلى شرقي الأردن لاسترداد سورية من الحكم الفرنسي . وقد ودع الحسين بن علي ابنه الامير عبد الله في مكة المكرمة مباركا خطواته ، ووصل الأمير إلى معان ، قادما بالقطار من المدينة المنورة بعد سفر طويل دام سبعة وعشرين يوما ، بسبب خراب خط الحديد الحجازي ، وحاجة القطار للوقود ، فوصل معان في 11/11/1920. وقد رافق الأمير عبد الله من الأشراف كل من : الشريف شاكر بن زيد ، والشريف علي بن الحسين الحارثي ، وأخوه محسن ، والشريف محمد بن علي البديوي، وخمسة من الأشراف العبادلة ، ومرافقه الخاص القائد حامد الوادي ، وحسين الشقراني ، وجعفر ومنصور بن فتن ، وعقاب بن حمزة ، وعبد الرحيم اللهيمق ، وثلاثة ضباط عراقيين هم : داوود المدفعي ومحمود الشهوتي وسعيد طلال ، والعلامة محمد الخضر الشنقيطي والشيخ مرزوق التخيمي، ومعهم قوة من البدو.
وكان في استقبال الأمير عبد الله بن الحسين في معان : شيوخ معان والشيخ عوده أبو تايه والشيخ غالب الشعلان وفؤاد سليم ومحمد مريود . وفور وصوله أعلن نفسه نائبا لملك سورية، ودعا أعضاء المؤتمر السوري للاجتماع، وأرسل الرسائل لزعماء شرقي الأردن للقدوم إلى معان، ودعا الجيش السوري للالتحاق به في معان. فوصل إلى معان على الفور كل من : الشيوخ والذوات حمد بن جازي واحمد مريود ومثقال الفايز ومشهور الفايز وحديثة الخريشة و(شيخ العيسى) وحسين الطراونة وعطوي المجالية وسعيد خير وسعيد المفتي والرئيس عبد القادر الجندي والرئيس محمد علي العجلوني والرئيس خلف التل والملازمون : احمد التل ونبيه العظمة وكامل البديري وبهجت طبارة وخليل ظاظا ونور الدين البرزنجي ومنيب الطرابلسي وعمر المغربي ومبروك المغربي وأسد الأطرش وعدد كبير من زعماء وشيوخ عشائر شرقي الأردن .
وأثناء إقامة الأمير في معان ، وصل الى معان عوني عبد الهادي حاملا رسالة شفوية من هربرت صمؤيل ، ينصح فيها الأمير بالعودة إلى الحجاز ، وان لا يحرك ساكنا في شرقي الأردن حتى مجيء تشرشل إلى القدس .
إلا أن الأمير لم يستمع لتحذيرات البريطانيين، فأصدر في معان منشورا في 25ربيع الأول سنة1339هـ، ضمنه سبب قدومه، ومبينا دور فرنسا في هدم عرش سورية، وخيانة عهود الحلفاء للعرب، قائلا: " كيف ترضون أن تكون العاصمة الأموية مستعمرة فرنسية ؟ إن رضيتم فالجزيرة لا ترضى وستأتيكم غضبى، وان غايتنا الوحيدة هي نصرتكم وإجلاء المعتدين عنكم " ، معلنا تجديد بيعته لأخيه فيصل ملكا على سورية ، واقسم سموه يمينا انه سيعود من حيث أتى بعد إتمام مهمته .
إلا أن أعضاء المؤتمر السوري لم يبادروا بالحضور إلى معان ، واشترط الضباط والجنود ضمان تقاعدهم أن لم تنجح الحركة ، أما كامل البديري فقد طلب ثمانين ألف جنيه ، ليؤسس أقلام استخبارات ودعاية ، وكذلك نبيه العظمة طلب مائة وعشرين ألف جنيه للغرض نفسه ، وكان الأمير خالي الوفاض ، لا يملك من المال شيئا حتى انه اضطر للاقتراض .
وقد سارع الفرنسيون بتقوية دفاعاتهم خشية مهاجمتهم من قبل الأمير عبد الله بن الحسين ، وكاتبوا بريطانيا بهذا الشأن ، متهمين بريطانيا بتمويل الأمير وتزويده بالأسلحة ، فما كان من اللورد كرزون إلا أن استدعى الأمير فيصل بن الحسين في كانون الأول 1920، وابلغه استياء بريطانيا لما اسماه الحوادث التي تقع في شرقي الأردن ، فوصل مندوب الأمير فيصل صبحي الخضراء إلى السلط ، ثم توجه إلى معان ، وراسل الأمير فيصل والده الحسين والأمير عبد الله ، طالبا منهما التريث ريثما يتم هو المساعي السلمية .
وقد هدد الكابتن برنتون زعماء عمان بعدم الاتصال بالأمير عبد الله بن الحسين ، ثم كاتب الإنجليز الأمير، وكاتبه متصرف السلط مظهر رسلان قائلا : " لقد بلغ الحكومة الوطنية عزمكم على زيارة شرقي الأردن ، فان كانت الزيارة لمجرد السياحة فان البلاد ستقابلكم بالترحيب، وان كانت الأغراض سياسية ، فان الحكومة ستتخذ كل الأساليب المانعة لزيارتكم ". وقد أجابه الأمير عبد الله بن الحسين قائلا : " إنني سأزور شرقي الأردن زيارة احتلالية ، وان الحكومة العربية في سوريا هي التي انتدبتني ، فانا الآن أنوب عن جلالة الملك فيصلبن الحسين ، ويجب عليك أن تعلم ذلك ، كما يجب عليك تلقي الأوامر من معان ، وآلا سيعين غيرك محلك ".
تحية والى اللقاء في الحلقة القادمة ...