في انتظار عودة مصر "الجديدة" إلى ساحة العمل العربي والإقليمي، ينشط التحالف الثلاثي الأردني-السعودي-الإماراتي على أكثر من صعيد، لاستعادة زمام المبادرة في منطقة تعصف فيها الاضطرابات، وتهددها الصراعات المذهبية.ظهرت بوادر التحالف الجديد بعد أشهر من اندلاع الأزمة في سورية.
ففي مقابل المحور التركي-القطري، برز لدى الدول الثلاث تصور مغاير لأسلوب التعاطي مع الأزمة، وطرق إدارة العلاقة مع المعارضة السورية المنقسمة على نفسها، والتي ترتبط معظم فصائلها بأنظمة عربية وإقليمية تحمل أجندات مختلفة.مع مرور الوقت، تشكلت غرفة عمليات سياسية وأمنية ثلاثية، تولت تنسيق المواقف بشأن الأوضاع في سورية، والعلاقة مع مكونات المعارضة السورية، وطرق الدعم المناسبة والممكنة على الصعيدين السياسي والعسكري. وقد نجحت الجهود المشتركة في تغيير ميزان القوى داخل تحالف المعارضة السورية.
وبالتنسيق الكامل مع الولايات المتحدة الأميركية، تم التوصل لآلية ميدانية لدعم المعارضة عسكريا.عمان التي تحولت مركزا لغرفة العمليات، وبؤرة للنشاط الدبلوماسي العربي والإقليمي، لعبت دورا حيويا في تصليب عود المحور الجديد وتشبيك أطرافه، والأهم توسيع قاعدة التعاون لتشمل "جبهات" أخرى.في غياب مصر، ظل ملف عملية السلام وجهود استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، منوطا بالدبلوماسية الأردنية التي تتمتع بعلاقات وثيقة مع "الخارجية" الأميركية، تمكنها في إدارة العملية على نحو يحقق متطلبات النجاح لأي خطوة مقبلة على هذا الصعيد. لكن الأردن كان يضع الجانبين السعودي والإماراتي بكل التطورات. وفي مناسبات عديدة، دخلت الدبلوماسية الإماراتية تحديدا على الخط الأميركي لإسناد الجهود الأردنية.التطورات الأخيرة في مصر احتلت الحيز الأكبر من اهتمام التحالف الثلاثي في الأسابيع الماضية. بعد عزل مرسي بساعتين تقريبا، كانت الاتصالات المتزامنة من الدول الثلاث تتواتر على القيادة المصرية الجديدة "المؤقتة"؛ وبعدها بساعات انهالت المليارات من الإمارات والسعودية، وتبعتهما الكويت، في خطوة تذكر بالدعم القطري بعد فوز الإسلاميين في الانتخابات الرئاسية.لم تكن السعودية في حالة عداء مع حكم مرسي؛ فقد استقبلته الرياض بحفاوة. بينما العلاقات مع الإمارات كانت متوترة منذ اليوم الأول، وتدهورت أكثر بعد الكشف عن خلايا إخوانية تضم عناصر مصرية كانت تخطط لقلب نظام الحكم في الإمارات. أما الأردن، فلم يكن مرتاحا لوجود الإسلاميين في الحكم منذ البداية، لكنه بدا في مرحلة لاحقة مستعدا للتعايش معهم لاعتبارات مصلحية. غير أن كل محاولات إنعاش العلاقة الثنائية باءت بالفشل. وفي الآونة الأخيرة، كان لدى المسؤولين الأردنيين انطباع بأن تجربة الإسلاميين في حكم مصر توشك على نهايتها قبل أوانها، بالنظر إلى جملة الأخطاء التي يرتكبها نظام مرسي، ولم يعد بوسع المصريين احتمالها.وتؤكد مؤشرات عديدة أن الأيام التي سبقت خروج الملايين إلى الشوارع في مصر وتدخل الجيش، شهدت اتصالات مكثفة من طرف مسؤولين أردنيين وسعوديين وإماراتيين مع قادة الجيش وشخصيات سياسية في الدولة المصرية. بمعنى آخر، لعبت غرفة العمليات المشتركة في عمان دورا حيويا في متابعة التطورات وتنسيق الجهود لدعم القيادة الجديدة في مصر. وقد شهدنا في الأيام التالية زيارة لوزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد، للقاهرة، تلتها بأيام قليلة زيارة لوزير الخارجية ناصر جودة."عملية" مصر كانت امتحانا كبيرا للتحالف الثلاثي، نحج في اجتيازها حتى الآن. وها هو يعود من جديد لمتابعة الملف الأكثر تعقيدا؛ سورية التي تطرح سؤالا محرجا على التحالف: كيف يمكن التوفيق بين دعم الثورة على الإسلاميين في مصر، وتمكينهم في سورية؟
fahed.khitan@alghad.jo
الغد