لا شك في أن ما حصل في مصر في الثالث من الشهر الحالي، قد قلب البوصلة، و"خربط" المعادلة الإقليمية في المنطقة، وأدخل الجميع في حلقة ترقب لا تنتهي. فمن ناحية، لا أحد ينكر أن محمد مرسي جاء عبر صندوق الاقتراع، ولا أحد ينكر أيضا أن عدد من خرج للمطالبة برحيله في الثلاثين من الشهر الماضي فاق التوقعات، وزاد عَمّن خرج للمطالبة برحيل حسني مبارك. كما أن جماعة الإخوان المصرية أثبتت أن لديها القدرة على الحشد والاستمرار، وهذا ما نشاهده يوميا في ميدان "رابعة العدوية".
الحالة المصرية الراهنة لا تنسجم مع معايير الديمقراطية الحقيقية والحرية، وتبعث على التخوف من انتهاك الحريات العامة، وخاصة بعد إغلاق قنوات فضائية ومنع بث أخرى، والسماح لقنوات فضائية خاصة بممارسة ما مارسته قنوات دينية سابقا من تحريض على الكراهية والقتل.
صراع الميادين المصري يدخلنا في مساحات نقاش لا تنتهي بين من يطالب بالشرعية باعتبار أن مرسي وصل للكرسي عبر صندوق الاقتراع، وبين من يعتقد أن الجماهير التي خرجت في الثلاثين من الشهر الماضي صنعت رأيا عاما حقيقيا مهد للإطاحة بمرسي، وأن الثورة المصرية التي أطلقت في الخامس والعشرين من كانون الثاني (يناير) 2011 لم تنتهِ، وما حصل في الثلاثين من حزيران (يونيو) كان عبارة عن استكمال لنهج الثورة، وما جرى ثورة جديدة على النظام.
ما يؤخذ على قنوات مصرية خاصة، كانت تصنف ذاتها "ليبرالية"، هو أنها وقعت في الشرك ذاته الذي وقعت به قنوات دينية في عهد "الإخوان". فتلك القنوات لا تكف عن اتهام المتواجدين في "رابعة العدوية"، حيث يتواجد أنصار مرسي بالإرهاب (أعتقد أن عددهم في أقل الظروف هو مليون شخص)؛ فتخيلوا أن يصدر أحد اتهاما لمليون شخص بأنهم إرهابيون وغير وطنيين وقتلة، مع يقيني أن هناك بين من يقف على منصة "رابعة العدوية" يوميا من يحرض على القتل والإرهاب وسفك الدماء، ولكن لا يجوز إطلاقا هذا التعميم على كل من يتواجد هناك، فهذا يعيدنا إلى مرحلة الشحن الطائفي والمذهبي.
للأسف، دخلت قنوات خاصة مصرية في البوتقة ذاتها التي سبق أن دخلت فيها قنوات دينية كانت محسوبة على جماعة الإخوان المسلمين سابقا، وكانت تبث خطابات عنف وكراهية وطائفية وتحريض على القتل، فكنا نعلي الصوت وقتها للمطالبة بوضع حد لما تمارسه من تضليل وتحريض وكراهية.
المشهد المصري لا يؤشر لنهاية سعيدة مرتقبة. ومن الواضح أن "الإخوان" يعتقدون أن انفضاضهم من "رابعة العدوية" يعني اعتقالا، وحبسا، وتعذيبا.
صراع الميادين الحاصل في مصر، وحالة الشد، يحتمان بروز خطاب عقلاني يحتوي الموقف، ويعيد الأمور إلى جادة الصواب، ويدفع بمصر إلى الأمام، وإطلاق حوار مصري بمشاركة الجميع بمن فيهم "الإخوان"، فهذا هو السبيل الوحيد لإخراج مصر من حالة المكاسرة الحاصلة حاليا.
شخصيا، لا أؤيد نهج "الإخوان"، وأملك ملاحظات لا تنتهي على مرسي وطريقة أدائه خلال عام، وأعتقد أن إدارة الدولة بعقلية الجماعة لا تستوي، وأنه كان الأولى بمرسي أن يقطع علاقاته مع دولة الاحتلال الصهيوني قبل دعوته للجهاد في سورية التي يعيث فيها الإرهابيون والمرتزقة فسادا. ورغم كل ذالك، فإن الأصل في مصر احتواء جماعة الإخوان وإشراكهم في العملية السياسية، وعدم الدفع بهم للعودة تحت الأرض.
أعتقد أن الجيش كان عليه التريث أكثر قبل أن يتدخل فيما يجري، ويجعل من نفسه طرفا في الخلاف، بدل أن يكون محايدا ومطلبا للجميع.
وأعتقد أن زعماء "رابعة العدوية" عليهم الكف عن المتاجرة بالدين، ووقف الاستعانة بالغيبيات لتخدير عقول الناس والعزف على وتر العاطفة، فهذا سيدخل مصر منطقة سلبية قد لا تنتهي.
jihad.mansi@alghad.jo
"الغد"