كنت من أوائل الواصلين الى السفارة العراقية ذاك اليوم بمعية زميلي في العمل، كمال الرواشدة ومراد أباظة. حانقاً ... غاضباً و مشحوناً الى أبعد الحدود، فقد استفزني – كما استفز كافة الأردنيين- ما شاهدناه من تصرف طاقم السفارة العراقية في المركز الثقافي الملكي.
ارتديت قميص "نص كم" و بنطلون جينز و حذاء خفيفاً مناسبا للركض هذه المرة، و هنا أنوه و أشدد و أؤكد أيضاً على ضرورة ارتداء هكذا نوع من الأحذية للمستجدين على سواليف المظاهرات و الإعتصامات، فقد كانت لي بداية كارثية قبل أكثر من عام عندما نظمنا اعتصاماً على الدوار الرابع أمام رئاسة الوزراء للمطالبه بالافراج عن بعض شباب الحراك. كنت انتعل "بسطاراً" ثقيلاً يومها، متأهباً في الصف الأول و عندما ساءت الأمور و تم التصفير لانسحاب الشرطة و استعداد الدرك للهجوم، كانت الصرخات خلفنا تقول: "الصف الأول اثبتوا"، و بالفعل ثبتنا و نحن نشاهد الدرك المقنع من مسافة ينطلق مسرعاً و ملوحاً بهراواته باتجاهنا، و بينما اتابع اقتراب الدرك "المهيب" رويداً رويداً، اختلست نظرة للخلف لاكتشف ان غالبية الصفوف خلفنا "غلتها" و كل هرب باتجاه ! حينها تناثر الصف الأول و انا منهم محاولاً الفرار أيضاً، لكن في لحظات ومع نعلي الثقيل و سرعة الدرك "الخاطفة" كنت مطروحاً أرضاً و محاطاً بحلقة من قوات التدخل السريع وكان ما كان من استقبال لطيف "للغاية".
و بعيداً عن نوعية الأحذية المناسبة لهكذا مناسبات، و بالعودة الى تظاهرة السفارة العراقية، فقد اكتظ الشارع امام السفارة بكافة الأطياف التي "فزعت" لكرامة الأردنيين واجتمع شباب الحراك و شباب الموالاة لأول مرة و هتفوا سوياً لأول مرة أيضاً، و القى بعضناً الحجارة و شتم البعض الآخر، و تداخلت الكلمات الهادئة لبعض الشخصيات التي حضرت، مع فورة الشباب و مشاعرهم الغاضبة و السلبية أيضاً و أنا منهم، و لا أحد كان ليلومنا يومها ! و مع مرور الوقت و اشتداد حرارة الشمس وتململ الدرك من محاولة الشباب اقتحام السفارة لاكثر من مرة، "أكل" المتظاهرون حصة لا بأس بها من الهراوت، و خرج الأردنيون في النهاية بعلقة في المركز الثقافي و اخرى أمام السفارة، و اعتذار لم يرضينا !!
مضت الحادثة...و بعد حوالي الشهرين وجدت نفسي اتابع منتخب الشباب العراقي بكأس العالم للشباب بشغف كما لو كنت أتابع المنتخب الأردني، و انا الذي كنت يوم المظاهرة حانقاً على كل ما يمثل العراق بسبب "تصرفات فردية" لا تمثل هذا البلد الكبير بتاريخه و أهله، كنت أنفعل...اتوتر و اتحمس لمجريات لقاءات هذا المنتخب الشاب الذي مثل العراق و العرب خير تمثيل مؤخراً، و لن انسى عندما علا صوتي فرحاً و مسمعاً كل جيران الحارة عندما سجل اللاعب الفذ علي عدنان هدفاً رائعاً في مرمى منتخب أوروجواي من ضربة حرة مباشرة في الدور النصف نهائي، و قد كاد هذا المنتخب ان يصل يومها للمباراة النهائية لكأس العالم للشباب لولا ضربات الترجيح التي جانبه الحظ فيها.
شكراً لمنتخب العراق...الذي اسعدنا و ملأنا فخراً خلال بطولة كأس العالم للشباب، و اتمنى ان يأخذ هذا الجيل الصاعد نصيبه من الإهتمام و الرعاية التي يستحق، و اتمنى أيضاً أن يخرج جيل سياسي يوازي هذا الجيل الرياضي الصاعد، يكون أهلاً لتمثيل العراق بتاريخه و مجده و حجمه !
و أختم بتساؤل الشاعر العراقي الشعبي البارز عباس جيجان "كان جيبك موش الك لما العرب ينخوك...عراق المال والأبطال...منهو اللي ما يحبك؟؟!"