هددت شركات الاتصالات باللجوء الى المحاكم الدولية، وتنادى "مستهلكون" لمقاطعة الخدمات الخلوية، ردا على قرار الحكومة بزيادة الضريبة عليها.
بالنسبة لي تمثل هذه الزيادة احدى الزيادات العديدة التي ينبغي فرضها في الضرائب والرسوم على الشقق التي تزيد عن 150 مترا والسيارات التي تزيد عن 1300 سي سي والمطاعم الفاخرة والسفر وحمامات السباحة المنزلية وكل مناحي الاستهلاك لصالح تخفيضها أو الغائها على سلة الغذاء والطبابة والدواء والتعليم ومستلزماته والمواصلات العامة وكل ما هو ضروري للعيش الكريم.
حين تكون المعادلة على هذا النحو، سوف تتفهم الأغلبية، في النهاية، منطقها الاجتماعي، لكن حين يغيب هذا المنطق، سوف تبدو الحكومة وكأنها تفتش حقا في جيوب المواطنين لسداد عجز مالي ناجم عن تراكم الهدر وسوء الادارة الاقتصادية وتوجيه موارد الدولة لخدمة المستثمرين والمتنفذين والفاسدين والمتهربين من تسديد التزاماتهم نحو الخزينة الخ وهو بير ماله قرار، ما يضع المواطنين موضع الاستنزاف.
تعالج الحكومة أزمة المالية العامة، بوسيلتين هما الاقتراض والجباية. وبينما تخضع لشروط الدائنين والمانحين، فهي لا تلتفت الى "شروط" المواطنين، وأولها التصفية الشاملة والمتزامنة والعلنية لملفات الفساد واسترداد حقوق الخزينة من الفاسدين، وثانيها وقف الهدر المالي، وثالثها تضمين الانفاق الرأسمالي في خطة وطنية تشاركية، واضحة الجدوى و محددة الوسائل والأهداف، وتتطابق مع الاحتياجات التنموية، ورابعها اعتماد سياسات اجتماعية منهجية تقوم على أساس إعادة تدوير الثروة ـ عن طريق الضرائب والرسوم ـ لصالح الفئات الشعبية والمحافظات.
الطريق الصندوقي التقليدي لمعالجة أزمة المالية العامة، عن طريق إزالة الدعم وتكثيف الجباية، طريق مسدود، أولا، لأنه مصمم لخدمة الدائنين والمستثمرين ـ وليس الخطة التنموية ـ وثانيا، لأنه يؤدي الى اضعاف الاقتصاد وتعميم الفقر.
البديل الوحيد الذي له مستقبل هو البديل التنموي الوطني بقيادة الدولة. ولا أتحدث، هنا، عن عودة بسيطة وتقليدية للقطاع العام، وإنما عن سيطرة برنامجية على المجالين الاقتصادي والمالي في سياق تنموي. وهو ما يتطلب سلة من السياسات التدخلية في الأسعار وأسعار الفوائد المصرفية والحماية الجمركية الخ والتجميع المؤسسي والاستثماري وتعزيز المدخرات الوطنية وادماجها في عملية تمويل وحفز الصناعة كعمود للتنمية، وتشجيع التعاونيات لإحياء الريف والزراعة البلدية، واستخدام النظام الضريبي التصاعدي على الدخل والأرباح، لتمويل الاحتياجات الاجتماعية وتحقيق العدالة. وفيما يتصل بالضريبة العامة على المبيعات والرسوم، ينبغي استخدامها لتحقيق غرضين هما تكليف المقتدرين بتسديد حقوق المجتمع على كم ومستوى الاستهلاك، ودفع الأغلبية نحو تعديل محتوى الانفاق، بحيث لا تختل ميزانيات الأسر بسبب النفقات غير الضرورية أو غير المفيدة.
وكمثال، اعتبر الحملات الدعائية لشركات الاتصال وخدماتها والمنافسة فيما بينها جريمة رأسمالية لاستنزاف ميزانيات الأسر الكادحة في ما لا يفيدها؛ فمن المؤلم أن يضطر الآباء تحت الالحاح لتمويل تبديل الخلويات بالأحدث وعلى الموضة، ومن المفجع أن فاتورة الاتصالات تشطب، لدى قطاع شعبي واسع، بند البروتين والفواكه! وأين هي الحكمة في انفاق ضعف ثمن كيلو الخبز المدعوم في مكالمة تذكير الزوج لإحضاره؟
nahed.hattar@alarabalyawm.net
العرب اليوم