كان تدبيرا ربانيا أن يذهب وزير الاوقاف ليتفقد أفطار الفقراء الذي تقدمه الوزارة في مسجد الملك المؤسس ليكتشف كيف يسرقون ( عطاء ) وجبة أفطار الفقير ليضعوا في بطون أبنائهم مالا حراما ينتزعونه من فم الفقير الجائع في هذا الشهر الفضيل .
وحسب ما نشرت ( الرأي ) فان وزير الاوقاف الدكتور محمد القضاة ذهب بنفسه ليتفقد وجبة الافطار اليومية المقدمة للفقراء بموجب عطاء تطرحه الوزارة سنويا ليكتشف أن ( المتعهد ) يقدم للفقراء نصف الوجبة المتفق عليها ناهيك عن التلاعب بأوزان الفاكهة والحلويات وهذا يدفعنا الى طرح عدة تساؤلات في الموضوع :
أولها : ان ما حدث يدل على أن كبار موظفي وزارة الاوقاف لا يعرفون طريق مشاركة الفقراء أفطارهم ولو لمرة واحدة , والا لكانوا أكتشفوا التلاعب منذ اليوم الاول كما فعل معالي الوزير أفلا تكون سنة حسنة لو تناوب هؤلاء أصحاب الدرجات العليا مشاركة الفقير أفطاره في مسجد الملك المؤسس ؟؟
وثانيا : فاننا نتساءل ما اذا كان العطاء قد رسا على نفس المتعهد في السنوات السابقة وكان هذا التلاعب مستمرا منذ ذلك الحين في غياب الرقابة ؟؟
وثالثا : فان العطاءات الحكومية تحال بموجب نظام وبالتأكيد فان عطاء وجبات الفقراء أحيل بموجب ( نظام الاشغال واللوازم لوزارة الاوقاف لعام 2002 ) والذي تنص المادة 3 منه ( الوزير مسؤول عن تنفيذ الاشغال اللازمة للوزارة وتأمين اللوازم التي تحتاج اليها وفق أحكام هذا النظام ) وينص النظام أيضا على تشكيل لجنة عطاءات في الوزارة برئاسة الامين العام وعضوية خمسة من كبار موظفي الوزارة يختارهم الوزير , وبالطبع فان النظام نص على مراعاة مبدأ التنافس عند طرح العطاءات , ونص أيضا على وجود لجنة أستلام من واجبها التدقيق في مطابقة المواد التي يتم تقديمها من قبل المتعهد مع شروط العطاء من كافة الجوانب , وقد قام الوزير بواجبه كاملا فهل قام أعضاء لجنة العطاءات وأعضاء لجنة الاستلام بواجباتهم ؟؟
هذا هو السؤال الذي يطرح نفسه ؟؟ كيف تمكن المتعهد من تمرير التلاعب على لجنة الاستلام ؟؟ وعلى الارجح فان أحدا من أعضاءاللجنتين لم يكن يخطر بباله أن يقدم أحد على سرقة أفطار فقير في رمضان ,, ولكن ذلك حصل , والركون الى التقوى والضمير لا يعفي الموظف العام من مسؤولية الرقابة .
أغلب الظن أن السيد الوزير قد شكل لجنة تحقيق في كافة ظروف العطاء , وأغلب ظني أن اللجنة ستخرج بتقرير مفاده أن المتعهد خالف شروط العطاء ولا بد من أنذاره وتغريمه , وقد ينتهي الامر عند هذا الحد بعد العيد , ولكننا نقول هذه جريمة سرقة وغش ينبغي أحالتها الى المدعي العام للتحقيق لعل وعسى أن يسعد بعض الناس بقضاء عطلة العيد في منتجع جويدة السياحي .
كنا قبل عامين نقول أن القيم الاخلاقية للمجتمع تراجعت خلال السنوات العشرين الاخيرة ولكننا نقول اليوم أن القيم تدهورت وتضاءلت حتى بات البحث عن ( صانع ) أمين مهمة شاقة , وتهدم جدار الثقة بين الناس فلم يعد بيننا الا قليل من الناس من يأمن أن يترك سيارته في كراج تصليح أو يتصل بالجزار للتوصية على شيء من اللحم أو يثق باصلاح ثلاجة أو ماسورة ( مجاري ) في غيابه أعتمادا على الثقة والضمير وتقوى الله
صحيح أن هناك في كل مهنة مهنيون أمناء ولكننا نحتاج أحيانا الى ( مندل ) ومائة سؤال للأستدلال على واحد منهم !!
(ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ) فهل كان أحد منا يتوقع أن يصل الفساد الى أفطار فقير جائع ؟؟
سيدي وزير الاوقاف جزاك الله خيرا .
الرأي