يتهم البعض دولا خليجية بالتواطؤ مع العسكر في مصر لإسقاط نظام الإخوان المسلمين، وذلك ضمن "مؤامرة كونية"، كما يقول هؤلاء، على تجربة الإخوان في الحكم. وتستند الاتهامات إلى كون هذه الدول غير سعيدة بتجربة الإخوان في السلطة، وتسعى لإفشالها، خشية اتساع مدى التجربة إن نجحت.
كذلك، يستند هؤلاء إلى المِنَح التي توالت للسلطة المؤقتة بعد عزل محمد مرسي، بمبالغ طائلة بلغت 12 مليار دولار من ثلاث دول، هي السعودية والإمارات العربية والكويت؛ وأن التعاون كبير ومفاجئ، كونه جاء بعد مماطلة بعض تلك الدول في تسديد مبالغ مالية كانت وعدت بتوفيرها عقب سقوط حسني مبارك وتسلم الإسلاميين الحكم في مصر.
الفريق ذاته ينسى، أو يتناسى أن القاهرة حصلت على 8.5 مليار دولار من الدوحة لدعم التجربة. إضافة إلى الدعم الأميركي، النقدي والعسكري، في عام حكم "الإخوان".
ويحاجج الإسلاميون بمحاولة إفشالهم بالانتهاء السريع لأزمة انقطاع الكهرباء ونقص المحروقات التي أججت الشارع المصري قبل قرار العزل؛ إذ تبخرت هذه المشكلات بعد ساعات محدودة من سقوط مرسي، والهدف بث رسائل تؤكد عجز الإسلاميين عن إدارة شؤون البلاد وتسهيل حياة المجتمع.
وهذا الكلام صحيح، لكنه غير مفاجئ. ومن السذاجة أن يظن "الإخوان" أن الدولة العميقة والبيروقراطية العريقة في مصر بكل تفاصيلها، ترحب بنجاح تجربتهم. فكان الأجدى بهم بدلا من إلقاء التهم، العمل على إنجاح التجربة وإنضاجها، بشكل يقنع غالبية الشعب المصري بقدرتهم على قبول الآخر، لا أن يكونوا عامل تنفير للجميع، باستثناء قواعدهم الشعبية التي ظلت تدافع عن نهجهم وسياساتهم.
والمعركة لم تنتهِ بمجرد تسلم الإسلاميين مقاليد الحكم، ومن البديهي أن تسعى كل القوى السياسية المناوئة لهم ولفكرة التغيير والاصلاح إلى عرقلة خططهم، ساعدهم في ذلك أسلوب إدارة "الإخوان" للمرحلة الصعبة؛ والتي أفقدتهم حلفاءهم في ميدان التحرير خصوصا الشباب الذين قادوا الثورة، في الأثناء بقيت التحديات، ولاسيما الاقتصادية، على حالها، هذا إن لم تتضاعف!
كان على الإسلاميين استيعاب أنّ وصولهم للسلطة لم يكن النهاية، بل كان البداية بعد نحو 85 عاما من إقصائهم ومعارضتهم في الشارع. وكان الأولى عدم اختلاق أزمات جديدة، بل السعي إلى حل القائم منها.
على كل حال، يبدو عزل مرسي اليوم خلف العالم، رغم شرعية الصناديق التي حملته للسلطة، وقد طويت ورقته لدى القوى الدولية والإقليمية، باستثناء أنصاره ودول حليفة مثل تركيا، يصرون على عودته. فأميركا التي تحرص على عودة سالمة لمصر في الإقليم، وتسعى لاستعادة القاهرة دورها الريادي، اكتفت بالدعوة لإطلاق سراح الرئيس المعزول وليس عودته، وكذلك فعل العديد من دول أوروبا. وما واجهه الإسلاميون من صعوبات، سيبقى ماثلا. فما تحتاجه مصر لتجاوز الأزمة يزيد على 50 مليار دولار، وما قُدّم بالكاد يقترب من ربع الاحتياجات التمويلية التي تكفي لحماية العملة الوطنية، وليس إسناد الاقتصاد المصري.
في مصر، معدلات العجز ما تزال مرتفعة، وتقارب 13 %؛ فيما النمو لا يتحرك، نتيجة الحالة السياسية السائدة، ولا يُتوقع أن يتجاوز، في أحسن الأحوال، نسبة 2 %، مقارنة بنسبة 5 % قبل 2011، فيما رُبع السكان يعيشون بدخل لا يتجاوز 50 دولارا شهريا، وربع شباب البلد يعانون البطالة. اليوم، ثمة مخاوف تنمو من إمكانية السطو مجددا على الثورة واستلابها، والتخطيط لعودة النظام القديم بمعاونة الجيش المصري. والخشية الكبرى أن تعود مصر بثوبها القديم، وتبقى حالة الإقصاء هي المسيطرة، لكن هذه المرة من قبل العسكر.
شباب مصر فهموا المعادلة، وهم مصرون على تحقيق مبادئ ثورتهم: خبز وحرية وعدالة اجتماعية. فأيا كان النظام الحاكم، فإنه سيسقط إن لم يحقق هذه الطموحات؛ فعجلة التغيير بدأت منذ أسقطوا حسني مبارك.
jumana.ghunaimat@alghad.jo
الغد