كلما أحسست بدنو لحظة رفع الدعم عن المحروقات وأتخيل أن سعر أنبوبة الغاز سيصبح نحو عشرة دنانير وأن فاتورة الكهرباء خاصتي التي تصل أحيانا إلى خمسين دينارا، وكلما أتخيل ما سيحصل لجميع السلع الاستهلاكية والضرورية بع التحرير، أصيح في أعماقي: لأ !لأ، بكل اللغات واللهجات والأيقاعات، لأ، فالوضع لا يحتمل، صدقوني كل مبررات الحومة وجهابذة وأرباب الأرقام لم يستطيعوا أن يقنعوني وآلاف المواطنين بصحة توجههم ومنطقية قراراتهم المنتظرة التي ستنزل على رؤوس الناس كالفأس!
لأ يا جماعة، ثمة بدائل، إسألوا أصحاب الرأي في المجتمع، ورطوا الخبراء الحقيقيين في هذا الملف، أجروا حوارات علنية مفتوحة، استدرجوا آراء المعارضة والمؤسسات التي تنادي بحلول قد تكون خيالية، هناك اعتقاد يكاد يكون عاما مفاده أن هناك حلا آخر غير هذه الكارثة التي ستحل علينا
اجتمع مؤخرا نقابيون ونواب حاليون وسابقون في ندوة بنقابة المهندسين، وناقشوا أثر زيادة الأسعار على الحقوق الاقتصادية للمواطن، وطالبوا الحكومة بعدم اللجوء الى خيار رفع الدعم عن المحروقات والبحث عن بدائل أخرى، أما البدائل الأخرى فكانت: محاربة الفساد،وتخفيض نفقات الجهاز الحكومي واعتماد سياسة ضريبية تتحمل بموجبها الشركات الكبرى والبنوك ضرائب مرتفعة. وزير سابق لوزارة الصناعة والتجارة وهو واصف عازر رأى أن ما يجري من حديث حول انعكاسات ارتفاع الأسعار على المستهلكين \"ناشئ عن أن هذا الارتفاع ليس نمطياً أو عادياً بل كبير وطارئ على مداخيل معظم الناس التي ليس هناك مجال لزيادتها لمواجهة ذلك التغير في تكاليف المعيشة\". وقال أن زيادة المداخيل من دون زيادة الإنتاجية \"سيضع الأسعار في الحلقة المفرغة، فزيادة عرض النقد سوف تزيد الطلب أو تبقيه على الأقل في مستوياته السابقة مما يحول دون استقرار الأسعار ويعرضها للزيادة المطردة\". ودعا إلى تطبيق \"قاعدة من أين لك هذا؟ وفق واقع الحال المعاش من قبل عدد غير قليل من المواطنين، ومن مستويات مدفوعاتهم لضريبة الدخل مع مراعاة أن عدداً من مصادر الدخل غير خاضعة للضريبة وإن كانت خاضعة لرسوم وضرائب أخرى يسهل التملص منها\". آخرون طالبوا مجلس الأمة بتخفيض النفقات العامة بما لا يقل عن20% منها و\"العمل الجاد مع الحكومة للقيام بالإصلاح الضريبي المنشود الذي يتمثل بإعادة قراءة قانون ضريبة المبيعات لصالح قانون ضريبة الدخل أولاً ودائماً\". دعوات أخرى اتجهت إلى \"القوى الحية\" في المجتمع ودعتها الى \"تحمل مسؤولياتها في المطالبة باصلاح سياسي عاجل يساعد بشكل سريع الى عودة الدور الصحيح لمؤسسات المجتمع المدني وعلى راسها الاحزاب السياسية والنقابات المهنية والعمالية والجمعيات والاتحادات القطاعية والى وضع قانون انتخاب عصري يضمن ويحفز المشاركة بشكل واسع للشعب في اختيار ممثليه في انتخابات بلدية ونيابية نزيهة\"، والعمل من اجل اصلاح ضريبي صحيح يتمثل ب\"خفض نسب ضريبة المبيعات على الكثير من السلع الشعبية ورفع نسبة ضريبة الدخل على كافة الدخول المتاتية من بعض النشاطات كارباح الاسهم والارباح المتحققة من علاوة الاصدار الناشئة عن رفع رؤوس اموال الشركات المدرجة في السوق المالي وارباح شركات الاتصالات والاسكان والاستثمارات الاجنبية بالاضافة الى ارباح المناطق الحرة\".
صوت آخر تساءل عن الاسباب التي ادت الى تعديل قانون ضريبة الدخل في السنوات الاخيرة والذي \"ادى الى تخفيض نسبة الضريبة على البنوك وشركات التامين من %55 الى %35 بخلاف المبدأ الدستوري والخاص بالتكليف التصاعدي بفرض الضرائب\"، وطالب \"بمعرفة الاسباب التي ادت الى اعفاء المصانع في المدن الصناعية المؤهلة من الرسوم والضرائب\". ودعا الى \"فرض ضرائب ورسوم كبيرة على الارباح التي يحققها المتاجرون بالاراضي والاسهم\"!!
يعني، هناك آراء أخرى غير ما تتحدث به الحكومة، ليس لدي أي قدرة على فحص مدى ملاءمة ما يطالب به هؤلاء، لكن ما أشعر به يصيح بكل ألم: لأ، لا تفعلوا هذا بنا وبكم، وبالبلد!
helmi@nabaa.net