لم تكتفي الحكومات بالآثار المباشرة للسياسات الفاشلة التي اعتادت على انتهاجها ، بل مارست سياسات الإقتراض الداخلي التي ضاعفت كلفة خدمة الدين من جهة ، ومنعت البنوك المشاركة في عمليات التسنيد من تقديم التسهيلات للقطاع الخاص خصوصاً بعد أن ارتفعت معدلات الفائدة على قروض الحكومة بما يقارب ما تتقاضاه البنوك من القطاع الخاص و بعد أن تم تخفيض تصنيف الأردن الإئتماني مرتين خلال النصف الأول من هذا العام و بعدما جمدت الأربع حكومات المتوالية العمل بقانون الدين لعام 2005( ما يفتح الشهية للحديث عن حق الحكومة في تجميد قوانيين يتم إقرارها من مجلس الأمة بشقيه دون الرجوع للمجلس ما يقود إلى سؤال آخر ، لماذا تقترح الحكومة القوانيين وتذهب بها إلى مجلس الأمة للتصويت عليها وإقرارها وتعمل بها ثم تُوقِفُهَا دون إعلان وكأنها وكالة من غير بواب) ؟؟!! ولم يعلم أحد بأن الحكومات قد جمدت العمل بالقانون إلا بعد مرور سنة من تجميده وكان قد تجاوز النسبة المقررة 15% ، وبعد التمحيص قيل بأن الحكومات الموقرة أوقفت العمل بقانون الدين ولم يحُرَك النواب والسادة الأعيان ممن أقروا القانون وصوتوا عليه ساكناً!!!.
وهكذا فإن قفز نسبة المديونية إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى ما يُقارب 80% قد فاقم مشاكل الوطن من خلال ارتفاع سعر الفائدة ، وثانياً تراجع الإقبال على شراء السندات الحكومية وصولاً إلى العزوف في حال استمرار ارتفاع هذه النسبة بما يعني تلاشي وجود الدائنين وخضوع المدين لكامل الشروط التي يفرضها الدائن للعلم فقط ، أما المشكلة الحقيقية فهي في الآثار المترتبة على ضخامة الدين الداخلي والمُرشح للوصول إلى 14 مليار دينار أردني وحتى نهاية العام .
لو تخيلنا أن هذا المبلغ الذي اقترضته الحكومة والذي من المفروض أن يكون مُتاحاً للقطاع الخاص، وأن القطاع الخاص قام بإستثمار هذا المبلغ في مشاريع إنتاجية ، علماً بأن المليار يخلق فرص عمل لـ5000 شخص في الصناعات الثقيلة ومن 15,000-20,000 الف شخص في الصناعات الخفيفة ولو كان معدل تشغيل المليار في الحالة الأردنية 12,000 الف شخص فقط فتكون الحكومة قد عطلت ما مجموعه 156 ألف فرصة عمل اعتماداً على الفرضية علماً أن إيجاد هذا الكم من فرص العمل كفيل بحل مشاكل الأردن المستعصية على رأسها البطالة والفقر وما يتولد من دخل للخزينة يساهم في حل مشكلة العجز والمديونية ، كما أن القروض الخارجية تساهم في توفير العملة الصعبة اللازمة للحفاظ على قيمة الدينار ، وبذلك فإن الحكومة بقرارها الاعتماد على الديون الداخلية تكون كبراقش التي جَنَتْ على نفسها ، ولكن الحكومة في الأردن جَنَتْ على الأردنيين فلا زال شخوص الحكومة يتمتعون بالإمتيازات فيما بعد المديونية بأكثر مما كانت عليه قبل المديونية ، ولم تتأثر أية موازنة لأية دائرة فيما يتعلق بالرواتب والمكافأت وسفرات الوفود والسيارات الفارهة والمكاتب الضخمة ، وكأننا في دولة نفطية ؟؟!!.
في الختام على الحكومة أن تحاول اللجوء إلى الإقتراض الخارجي ما أمكن ، و ترك القطاع الخاص المحرك الحقيقي لعجلة التنمية يجد تسهيلات تُشَجِعُهُ على إقامة المشاريع اللازمة لمعالجة البطالة وانظر إلى الصين التي تقف أمام العالم بأجمعه ، مُصِره على تثبيت سعر منخفض للفائدة على المستثمرين لحثهم على السير قِدماً في مضاعفة استثماراتهم لأنها السبيل الوحيد لإنقاذ البلاد.
كما أن المبالغ التي تدفعها الحكومة خدمةً للدين والتي وصلت إلى ما يقارب المليار لهذا العام والتي تتقاسمها البنوك ، يجعل البنوك تفرض شروطها القاسية على طالب القرض من القطاع الخاص عدا معدل الفائدة العالي بما يدفع المستثمرين لإلغاء فكرة الإستثمار بالكليةِ تفادياً لمطرقة البنك وسندان الفائدة ، وعليه فمن واجب الحكومة العمل على تخفيض سعر الفائدة وحث البنوك على منح التسهيلات بشروط ميسرة تكفل الإقبال عليها من قبل قطاع المستثمرين لأن الإستثمار الوطني الحقيقي هو الضمان الفعلي لاستقرار وأمن الوطن .
وفي السياق لماذا لا تمنح الحكومة رُخصاً جديدة لبنوك أردنية جديدة ، وهناك الكثيرين ممن تقدموا وبرؤوس أموال أردنية ، بينما تسمح بمشاركة الأجنبي في شراء أسهم البنوك القائمة ، علماً بأن رأس المال الوطني هو الاستثمار الحقيقي لضمان ديمومة استثمار العوائد داخل الوطن ، وللمسؤولية الإجتماعية وواجب الرعاية الذي يراه المستثمر واجباً وطنياً في شأن إقتصادي في غاية الدقة والخطورة .