جاءنا رمضان ولم نتغير بعد للأسف ، لا نزال نخوض المعارك الكبرى على جميع الجبهات السياسية والاجتماعية والفكرية و الأسرّية ثم « المعارك المأكولاتية « ، فالعرب ينفقون على المأكولات أكثر من إنفاقهم على التعليم وتحفيز التفكير والإبداع باعتقادي ، ورغم أن الكرم هو رأس شمائل العرب الطيبة فلنا أن نسأل : أي كرم نعني ؟ فهل التبذير والإسراف والتباهي من الكرم بشيء ؟ ثم أن الكرم هو أن تتنازل أيضا عن بعض من عنفوان كاذب ، وجنون عظمة عند البعض ، وعن أحقاد شخصية ، وعن بعض من الحقوق الاجتماعية والسياسية في سبيل إحياء تراث هذه الأمة التي كانت خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنه عن المنكر ، كما وصفها الله تعالى الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء .
رمضان المبارك لن يغير شيئا على واقع الحال العربي للأسف ، لأن العرب وقياداتهم الاجتماعية والفكرية والسياسية والحاكمة أيضا لا يريد أحد منهم أن يغير ما بنفسه ، لا أحد منا يريد أن يضحي بشيء مما عنده لغاية سامية يبغي فيها وجه الله خالصا ، فهاهي الدماء تسيل أكثر كما تسيل دماء الخراف التي تنتظرها موائد الطعام ، والبشر بملايينهم انخرطوا في معارك سياسية يتقاتلون فيها ويعطلون مصالحهم ، ويدفعون لتراجع مؤشرات التنمية وانهيار الاقتصاد الوطني في بلادهم ، ثم ها هي الديمقراطيات المنشودة يداس رأسها بالبساطير ، وتبلتع السلطة وكأنها صبية شهية طرية تتحول الى لقمة سائغة لكل مشته وبشكل معيب .
الجوع والفقر ونقص الخدمات الصحية والتعليمية في بلادنا العربية والإسلامية ، ينخر في أساسات المجتمعات ويقوض السلم الأهلي ، وفي المقابل فإن موازنة ما ينفقه العرب على السلاح والرصاص وأدوات الإقتتال فيما بينهم تعادل ميزانية تنموية ضخمة قد تنقذ مئات الآلاف بل الملايين من السكان في البلدان العربية من الموت والفقر والأمية ، و قد تساعد كثيرا في نشر الوعي الفكري والديني الصحيح وتعيد إنتاج مجتمعات واعدة تستطيع خلال العقود القادمة أن تضخ بشباب يكون فاعلا جدا في سوق العمل ، ومبرزا في المجالات العلمية والصناعية والتنموية والاستكشافات في شتى المجالات وعلى مستوى العالم ، أما أقلها فقد تمكن المواطن العادي من مساعدة نفسه في توفير عيش كريم له ولأسرته ، وسط بيئة نظيفة خالية من التلوث المزدوج بيئيا وفكريا وسياسيا أيضا .
في المقابل فإن الشهر الفضيل كان هو شهر المعارك الفاصلة في التاريخ الإسلامي ، فمعركة بدر هي الفتح الإسلامي الحقيقي الذي حمى قلعة الإسلام على أرضه ، وتوالت الفتوحات وانتشرت الدعوة السمحة وساد العدل والتسامح بين أبناء الرعية جميعهم من المسلمين وغير المسلمين أيضا ، وتراجعت نسب الجهل والفقر عند الرعية نتيجة العدالة والتكافل الاجتماعي والحرص على العلم والتعليم ، وارتفعت مستويات الفكر الراقي أدبيا ودينيا وعلميا ، نتيجة تحفيز القرآن الكريم والحديث الشريف للتفكير والقراءة والبحث ، وسط بيئة متصالحة متآخية ، وكان هذا الإبداع والنجاح مدعوم من أعلى رأس الدولة ، فالخلفاء كانوا يحبون العلم ويدعمون المبدعين ، ولا يقربون المدعّين ويسمعون لأسفل الخلق ، بل يحرصون بسماع ورؤية كل شيء بعيونهم .
رمضان حالة أكثر منه شهر كسائر الأشهر ، فهو مرحلة يعيشها الإنسان وسط أجواء تدعوه الى مراجعة نفسه جيدا ، يعيد فيها ترتيب أولوياته ، ويتدارك أخطاءه وخطاياه ، ويتراجع عن عنجهيته وظلمه لغيره ، وما ينطبق على الشخص الواحد ينطبق على المجموع ، فلا يمكن القبول بكل هذا الخلاف والاقتتال في بلاد المسلمين ، أو الضعف والاستكانة والظلم الذي يعيشه الملايين منهم في شتى أقطار العالم يكابدون أنواع التمييز والقهر والإفقار ، والقتل الجماعي حرقا وطعنا وتفجيرا من قبل جماعات تفكر بطريقة بهائمية وحشية وتحت غطاء الدين أو القوة الحاكمة .
أما بيننا فيجب أن تتغير المفاهيم والتصرفات نحو تبجيل الشهر الفضيل في الشارع لا أن يتحول الى شهر طبل وزمر على أنغام الشياطين ، وعلينا أن نتذكر أخواننا المحتاجين حينما تقترب أمعدتنا من التخمة ونعمل على إعادة تهذيب أخلاقنا العامة حبا بالله .
Royal430@hotmail.com
الرأي