الإصلاح الإقتصادي بدايته رفع للأسعار ونهايته رفع للأسعار !
د. عادل محمد القطاونة
14-07-2013 04:50 AM
يبدو أن مفهوم الإصلاح الاقتصادي الذي لمسه المواطنون الأردنيون منذ سنوات بعيدة تجسد في بند واحد وهو رفع أسعار المواد الغذائية والخدمات المقدمة للمواطنين !! كما أن خريطة الإصلاح الإقتصادي التي تبنتها المملكة منذ أكثر من عشرين عاماً لم ينبثق عنها إلا إرتفاع للأسعار ، وكان آخر هذه الإرتفاعات الإعلان الذي صدم أغلب فئات الشعب الأردني بزيادة أسعار خدمات الخلوي بنسبة 100 % فبطاقة الخلوي التي يبلغ ثمنها 5 دنانير تباع الآن ب7.25 دينار ، بمعنى أن ما يقارب من 40% من قيمة البطاقة هي عبارة عن ضريبة عامة وضريبة خاصة ! وبإنتظار المفاجأة الأكبر برفع أسعار الكهرباء وما سينبثق عنه من رفع لاسعار العديد من السلع والمواد الغذائية !
هنا ومن باب المكاشفة أطرح التساؤل التالي : ألم يدرك ساسة الإقتصاد في الحكومة أن لهذا القرار الأخير أثراً سلبياً على معيشة المواطن ، قالخلوي وخدمات الاتصال لم تعد من الأمور الكمالية وإرتفاعها بشكل مضاعف سيؤثر سلباً على الدخل المتآكل أصلاً ! والمتابع للضريبة الخاصة على هذه القطاع يجد أن الضريبة الخاصة إرتفعت خلال السنوات الخمس الأخيرة من 4% إلى 8% إلى 12% إلى أن أصبحت 24% عداك عن الضريبة العامة والبالغة 16% بمعنى أن مجموع العبء الضريبي بلغ 40% ، وهذا يعتبر من أعلى الأعباء الضريبة في العالم على قطاع ما ! أما عن أسعار الأجهزة فسوف تشهد خلال الأيام القليلة القادمة إرتفاعاً مؤكداً نتيجة القرار الأخير والقاضي بتعديل نسبة الضريبة الخاصة من 8 % إلى 16% على الأجهزة ومن 12% إلى 24% على خدمات الاشتراكات للهاتف.
ألم تدرك الحكومة حتى الآن أن تراجع هيبة الدولة وتعدد المشاجرات وزيادة حالات السرقة وتفشي الفقر والبطالة وإنعدام الثقة ما بين المواطن ورجل الدولة هو نتاج سياسات إقتصادية وسياسية حكومية غير مدروسة بنظرة أكثر شمولية ، وأن من شأن رفع الإسعار زيادة الإحتقان الشعبي ورفع منسوب الغضب لدى الشارع الأردني المشبع بالغضب من برامج الإصلاح الإقتصادي التي كان من المفروض أن تعود بالنفع على حياة المواطن ولكنها جاءت على نقيض ذلك !
يترحم البعض على أسعار شقق عمان الغربية في نهاية الثمانينيات حيث كان سعر الشقة بمساحة ال150 متر بواقع 15000 دينار ليصبح السعر في العام 2013 بواقع 150000 دينار ، وبزيادة قاربت العشر أضعاف ! أما أسعار الأراضي فقد بلغ سعر الدونم الواحد في عمان الغربية في العام 1988 مبلغ 5000 دينار ليرتفع في الأعوام القليلة الماضية إلى مليون دينار في بعض المناطق ! أما عن أسعار المواذ الغذائية والتموينية والكهرباء والمياه وغير ذلك من الرسوم والرخص الحكومية فحدث ولا حرج عن إرتفاع للأسعار !
لطالما كان المواطن الحلقة الأضعف في أي معادلة حكومية للإصلاح الاقتصادي ، وعلى الرغم من أن خطابات الثقة لأي حكومة تتضمن إشارات واضحة إلى حق المواطن بحياة كريمة ، إلا أن هذه الإشارات لطالما أخذت منحى تنازلي مع مرور الوقت فتصبح الحياة الكريمة للمواطن من ترف الحديث الحكومي في حالات كثيرة ، وفي هذا المضمار يرى العديد من ذوي الإختصاص إلى أن مفهوم الحياة الكريمة قد يكون نسبياً ، وهنا تكمن المشكلة فإذا علمنا بان 70% من أبناء الشعب يتقاضون دخلأ يقل عن 500 دينار شهرياً فإن المعادلة التي تتحدث عن العيش الكريم ستعطي نتيجة بما لا يحمل الشك في أن هذه العائلات الأردنية لا بد وأنها تفتقد إلى العيش الكريم فليس الخبز والسولار وحدها هي من تكفل للمواطن العيش الكريم.
يجب على الحكومات كافة أن تعي بان تكاليف الحياة قد زادت عما كانت عليه في السنوات السابقة بشكل ملفت ، كما أن متطلبات الحياة فرضت أن يكون الهاتف النقال والتلفاز والبنزين والمياه من أساسيات الحياة وليس من ترفها. وأن زيادة الأسعار من حين لآخر ومن سلعة إلى أخرى أضحى مؤرقاً لكافة فئات المجتمع ، كما أن من شان رفع الأسعار أن يعود بالأثر السلبي على الطبقة الفقيرة والمتوسطة بشكل يساعد على نمو الفقر والبطالة في المجتمع ويساهم في تزايد الحراكات وسقف المطالبات الشعبية.
إن إصلاح النظام المالي والضريبي ، وضبط النفقات الحكومية ، وتطوير الأنظمة الإقتصادية والمالية والتعامل مع ملف المغتربين بشكل أكثر حكمة وفاعلية ، وتعطيل أي محاولات للفساد من هنا أو هناك تعتبر من الأمور الرئيسية التي ينادي بها المواطن في كافة المواقع والمؤسسات العامة والخاصة على حد سواء.
يجب على الحكومة إعادة النظر في النظام الضريبي الحالي بشكل أكثر جرأة وموضوعية بشكل يكفل زيادة التحصيلات ودون المساس بالفئة الفقيرة والمتوسطة الدخل من خلال إعادة النظر بتصاعدية المعدلات الضريبية مع الأخذ بعين الإعتبار البعد الإستثماري ، كما ويجب إعادة النظر في نظام الضريبة الخاصة المفروض على بعض السلع خاصة في ما يتعلق بالسلع التي فعلا تشكل الفرق بين مفهوم الترف والحاجة ولعل من أبرز هذه السلع المشروبات الروحية وبعض أنواع الأطعمة المتعلقة ببعض أنواع الحيوانات والسجائر الأجنبية وليست المحلية وبعض أنواع العطور الفارهة والسيارات ذات المحركات العالية والتي يزيد محركها عن 2500 وما إلى ذلك من السلع الكمالية بحق وليس الخلوي والكهرباء التي يدرك أي مواطن أنها أضحت من ضروريات الحياة وليست كمالياتها.
يجب العمل على دعم القطاع الصناعي والزراعي بشكل يكفل زيادة الإستثمارات في هذه القطاع والإستفادة من الأراضي المعطلة دون أي إستخدام أو إستثمار وتحفيز العمل التنموي وتفعيل دور المناطق التنموية والصناعية في المحافظات من خلال منظومة متكاملة تعتبر من أهم الأمور التي يجب العمل عليها عوضاً عن رفع الأسعار على المزيد من السلع لتعويض العجز في الموازنة والسيطرة على المديونية.
يجب تفعيل عمل الوزارات الحكومية وخاصة الوزارات ذات الشأن الإقتصادي والمالي وفي مقدمتها وزارة التخطيط والتعاون الدولي ووزارة المالية ووزارة الصناعة والتجارة من أجل البحث في الجانب الإقتصادي الإجتماعي وتوفير متطلبات التنمية الحقيقة الشمولية ، وزيادة الدعم الخارجي المقدم من الدول المانحة والإستفادة من المشاريع الدولية وغيرها من أدوات الإقتصاد بما يكفل تخفيف العبء على الموازنة وإنعكاس ذلك على حياة المواطن الأردني.
qatawneh@yahoo.com