يبدو ان دول المنطقة بصدد تبني شعار "أولوية الأمن" ليكون عنوان المرحلة القادمة. بينما تدخل الأزمة السورية مرحلتها الجديدة و التي تهدف الى وقف العنف. لهذا فمن الطبيعي ان تفرض معادلة التسوية الداخلية الجديدة ايقاعاً جديداً يتمثل بضرورة تصفية الفصائل المقاتلة على الأرض و اختزالها بفريق واحد "الجيش الحر". من هنا يبدو ان المشهد بات مرشحاً الى صراعات دموية قادمة بين هذه القوى. تداعيات هذه المرحلة لا تقتصر على الداخل السوري, بل تتجاوزه الى المنطقة برمتها, الأمر الذي قد يرشح الاقليم الى المواجهة مع تداعيات وقف العنف و خصوصاً الجانب المتعلق بالحفاظ على الأمن الداخلي في الدول المجاورة لسوريا او الدول التي انخرطت بصورة مباشرة او غير مباشرة في الأزمة السورية.
الأردن قد يكون أيضاً على موعد مع هذه التحديات. عوامل كثيرة تشير الى ضرورة ان تتبنى الدولة الأردنية خطط استباقية للحفاظ على الامن و الاستقرار الداخلي. أما التحدي الأكبر فيتمثل في القدرة على مواجهة التنظيمات الارهابية العاملة بشكل علني في المنطقة,خصوصاً في سوريا و العراق. حيث ان بوصلة مكافحة الارهاب في السنوات الاخيرة اشارت بوضوح الى دور كبير يضطلع به أفراد و خلايا أردنية في خضم المشهد الاقليمي الملتهب خصوصاً مع انتشار الخطاب الاصولي المليء بالكراهية و الرغبة في اقصاء الآخر.
على مدار الأزمة السورية, التقطت الدولة المجاورة لسوريا اشارات متعددة تشير الى خطورة الوضع الأمني و انعكاساته على المشهد الداخلي لهذه الدول. فعملية الانتقال السهل للسلاح و المسلحين و الارهابيين, و ضخامة كميات السلاح العابرة للإقليم كلها تشير الى حجم أزمة الأمن الاقليمي, و التي قد تشير الى استحالة انهاء الأزمة في سوريا دون تعرض المنطقة لتحديات امنية حقيقية. هذا ما تؤكده كثير من التقارير الأمنية الى وضع امني قلق تمر فيه دول المنطقة. الأردن مثلاُ, يواجه تحديات أكبر نظراً للحالة الديموغرافية الجديدة الناشئة, من اعداد اللاجئين السوريين و تواجد أعداد كبيرة من جنسيات مختلفة على الأرض الأردنية (عراق, سوريا, لبنان, ليبيا) على سبيل المثال, عداك عن المعلومات التي تشير الى تحرك كثير من الشخصيات الخليجية النافذة و السعودية على وجه التحديد على الساحة الأردنية ضمن مساعي هادفة الى تحشيد السلاح و المسلحين باتجاه سوريا.
من وجهة نظر جيوسياسية, ليس من السهل التعامل مع حالة التعددية الناشئة في الداخل الاردني في خضم توسع الخلافات السياسية بين دول و فصائل و تنظيمات الاقليم. فالسعودية, الحليف الاردني الاكبر, مازالت تصر على ضرورة اسقاط النظام في سوريا, و بالتالي فان هذه الرؤية تحول الأردن منطقياً لهدف سعودي طبيعي في اطار السعي لتحقيق هذا الهدف و يضع الحدود الاردنية اما تحدي امني كبير. كثير من المحللين وجد في سياسة ارضاء الجميع و موقف الحياد الغامض الذي تبناه الأردن منذ اليوم الاول للأزمة السورية , خطراً حقيقياً, فهذه السياسة قد تثير حفيظة الكثير من الدول التي سعت الى اسقاط النظام في سوريا و نظرت الى موقف الاردن على أنه اداة معيقة لهذا المشروع, بينما ينظر الفريق الاخر الى غموض هذه السياسة بصفته واحد من اهم عوامل تأزيم الداخل السوري.
المنطقة امام تحديات كبيرة, و ارتباط الأردن العضوي في مجمل ملفات المنطقة يزيد من حجم هذه التحديات امام السياسة الأردنية, خصوصاً الملفات المرتبطة بمسار عملية السلام. و التي تضع الأردن امام حساسية التعامل مع هذا الملف في مواجهة فريق سياسي دولي كبير يعتقد بضرورة توظيف الأردن سياسياً ضمن عملية ايجاد حل حقيقي و نهائي لمعضلة السلام في الشرق الأوسط.