أحياناً تقابل أسئلة المثقفين، والمحللين السياسيين، بإجابات شعبية مرحة وساخرة تستحقُّها، وأشهرُ ذلك في مصر طبعاً، حيث يعالج الناس قروحهم المزمنة بالسخرية منها، ومن أبلغ تلك الردود ما سمعته منذ شهور حين راجت عبارة (هيَّ مصر رايحة لفين؟) فرد رجل خفيف الدم:"مش كنت تِسأل قبل ما تركب"!
لكنَّ مصر الآن؛ ومع غضّ النظر إن كانت محجبةً أو بالميني جوب، ضاحكةً أو صافنة، سعيدةً أو ثكلى، فلاحةً أو خارجةً للتو من رقصة تانغو، جائعةً أو طافحةً بما أعدَّت يداها، هي ذاهبة الى الأمام، الأمام الذي لا يمكن ان يكون بالأبيض والأسود، الأمام الذي ينتظرها، وتستحقّه، لأن الأمم لا تذهبُ الى الوراء، أو تعود للخلف كحافلة ركّاب!
ولأنَّ الأبناء الواضحين، يقودون الأم من يدها الواضحة، فلا عتمة في البيت ولا يقعُ الظلام حين يتعلق الأمر بالحب.
الحب الذي يأخذ ولداً عفيّاً، مثل "محمود بدر"، بضحكته كاملة الاستدارة، ويأخذ اصدقاءه، من بيوتهم ليضيئوا الأزقّة والزواريب الفقيرة بأصواتهم العالية: نريد فقط "عِيش، وعدالة، وحريّة"!
كأنَّ ذلك ليس كلّ شيء.
كأنَّ ذلك ليس الطريق كاملاً!
هؤلاء الأولاد الذين صعدوا الى مِصر دون أن يسألوا قبل ذلك "هيَّ رايحة لفين"، لأنهم يصعدون أينما راحت، وسيصعدون لتعرف هيَ أين تذهب، وسيصعدون لأنهم يعرفون أين سيذهبون بها إن أوقفها قُطّاع الطريق!
لا أحد، في آخر الأمر، يسأل أمَّه. وقد يمشي مغمضاً، لكنَّ الأمَّ لا تمشي مغمضةً أبداً.
الأولاد الذين لا يسألون عن الطريق الى البلاد؛ ويعرفون أن البلاد نفسها هي الطريق؛ لكنَّ ضحكاتهم ضروريةٌ: فوانيس نور!
هكذا هي البلاد، تحمل أولادها المؤمنين على ظهرها وهي صاعدة، يعضُّها الشوك من قدميها العريضتين ولا تتعب، يقعُ الخائفون، ويقفز الذين (لا يحبون صعود الجبال)، والذين لا صبر لهم كي يقطفوا الضوء النابت في الأعالي!
لكنها لا ترمي عن ظهرها أحداً؛ سوى ذلك الذي يمدُّ يده ليطفئ النور.
ibraheem.jaber@alghad.jo
الغد