كان الأردن هو البلد الذي فشل الاخوان المسلمون في الهيمنة على حراكه الشعبي أو تشكيل كتلة سياسية حرجة تهدده بالالتحاق بالربيع العربي ـ الاميركي، بل إن أول هزيمة تلقّاها الاخوان كانت ـ تحديدا ـ في الأردن، حين طردهم نشطاء عشائريون من المفرق في صيف 2011، فاتحين الطريق لتكوين كتلة شعبية مضادة للأخونة.
والآن، بعدما هُزم الاخوان في سورية ومصر وقريبا في تونس والمغرب، يتذاكى مسؤولون أردنيون ـ لاعتبارات صغيرة مثل انجاح الانتخابات البلدية ـ باقتراح احتواء الاخوان المهزومين.
نحن نرفض، بالطبع، أي اجراءات معادية للاخوان الاردنيين، وندعو الى الاهتمام بترتيب أوضاعهم في المجرى العام للسياسة الاردنية، ولكن على أسس واضحة هي، أولا، عزل المتطرفين من اتباع المدرسة القُطبية والمعالجة القانونية لأوضاع العناصر المرتبطة بالفكر العنفي والممارسة العنفية ، وثانيا، فك الارتباط فعليا ونهائيا مع حركة حماس، وثالثا وضع النقاط على الحروف فيما يتصل باقتصار الاخوان المسلمين على الدور الدعوي والخيري دون السياسي، رابعا، إعادة تنظيم حزب جبهة العمل الاسلامي ديمقراطيا بحيث يتحول الى حزب وطني اردني صريح.
تكبّد "الاخوان المسلمون" هزيمة استراتيجية، تؤذن بانحسار شامل لموجة الاسلام السياسي في العالم العربي؛ فهل من الحكمة أن نحوّل الأردن - كما كان في الخمسينيات والستينيات ـ ملاذا للإخوان المطاردين عربيا؟ وهل من الذكاء ، توتير العلاقات الاردنية مع بلدان عربية أساسية، بالعودة الى رعاية التمكين الإخواني محليا؟
لا نريد اغلاق الطريق على الاخوان، ولكن المصالح الاستراتيجية للدولة الأردنية، تتطلب مراجعة ملف الاخوان المسلمين كله، واجراء الفرز السياسي والأمني اللازم في صفوفهم لتظهير العناصر الوطنية ودعمها، ورفع الغطاء عن أي وجود حمساوي أو عنفي تحت راية اخوانية.
من حسن الحظ أن الفرز المطلوب أعلاه، حدث بمبادرة من قلب الاخوان، تلك المتمثلة في " المبادرة الوطنية للبناء ـ زمزم ". وهذه المبادرة هي التي تتطلب اليوم الدعم المتعدد الأشكال، سواء من الدولة أم المجتمع أم التيارات السياسية. ولكن، ربما آن الأوان أن تنتقل مبادرة زمزم من المراجعة الفكرية والسياسية على المستوى المحلي إلى مراجعة مماثلة على المستوى العربي، وتكف عن تبني الخرافة عن مؤامرة عربية واقليمية ودولية ضد اخوان مصر، بينما تدلّ الوقائع أن أي حركة سياسية عربية لم تحظ بالدعم ، كما حظيت به حركة الاخوان في السنتين الأخيريتين؛ فهي تمتعت برعاية الولايات المتحدة وأوروبا وقطر ودول خليجية وسط غض النظر السعودي، ومنحها قسم من الجماهير المصرية، الدعم الكامل، وسط قبول عام تبدى في اقتراع القوميين واليساريين لمحمد مرسي ضد المرشح المباركي احمد شفيق، مما منحهم في النهاية منصب الرئاسة في أهمّ وأكبر بلد عربي.
إلا أن الاخوان وقعوا سريعا في أخطاء قاتلة: لم يسلكوا كقادة للأمة، بل كعصبة تستعجل التمكين، واتكأوا، مثل ميارك، على الدعم الأميركي، ووضعوا أنفسهم في تصرّف القَطريين. وكانت فاتورة كل ذلك ضخمة: العزلة عن المجتمع والحلفاء ـ بمن فيهم الحركة السلفية ـ والمحافظة على السياسات المباركية، سواء أفي العلاقة مع اسرائيل أم في التمسك بنهج الخصخصة والكمبرادورية وتأكيد نظام اللامساواة الاجتماعية والاهتمام بالبزنس على حساب الكادحين.
وعلى مستوى إدارة الدولة وأجهزتها، فشل الاخوان بصورة تدعو الى الشفقة، وأظهروا فقرا غير مسبوق في الكفاءة. وكان حظهم سيئا باختيار رئيس بلا كاريزما، محدود الشخصية، ومثار للسخرية.
وجد المصريون، في النهاية، أن النظام الاخواني هو نفسه النظام المباركي ولكن بلا كفاءة في الإدارة، وبلا قدرة في ادارة ملف السياسة الخارجية؛ فمع الاسرائيليين تورّطوا في ضمان منع المقاومة في غزة، ومع القطريين تورّطوا في تصوير مصر العظيمة وكأنها تابع للإمارة الصغيرة، وعلى هذا الاساس، خربوا العلاقات المصرية مع معظم الخليج واستعدوا السعودية، وعالجوا الأزمة الاستراتيجية مع اثيوبيا كالهواة الخ هذا بالإضافة إلى سعيهم الى احتكار كل المواقع القيادية والصدام مع المجتمع كله، مع الجيش والأحزاب والنشطاء والشباب والنساء والعاملين في القطاع السياحي الضخم و عمال المصانع وبيروقراطية الدولة والمثقفين والاعلاميين والفنانين والصوفيين ( 15 مليونا) والأقباط ، ومحاولة أخونة الدولة وأخونة الحياة مما دفع بالطبقة الوسطى كلها الى معاداتهم. وقد تجمعت عناصر الأزمة هذه كلها لتطلق ثورة شعبية واسعة النطاق، مكنت القوات المسلحة من اسقاط مرسي، وفرض هذه الحقيقة على الأميركيين والغرب والعرب.
nahed.hattar@alarabalyawm.net
العرب اليوم