الانتقال من الصيغة الحزبية إلى الصيغة المجتمعية
د. رحيّل غرايبة
12-07-2013 03:46 AM
الدرس المصري ينبغي أن يمثل محطة فاصلة في تاريخ الحركة الإسلامية، ويجب أن تعتكف كوادر الحركة في كل الأقطار والبقاع على دراسة ما جرى بعمق، وعبر مؤتمرات وندوات وورش عمل داخلية، تستند إلى دراسات معمقة وإعداد أوراق عمل علمية يتم إعدادها بهدوء، وبعيدًا عن النزق والانفعال، وينبغي الاستماع إلى مختلف وجهات النظر، التي ترقب المشهد من مختلف الزوايا، بطريقة شمولية واسعة ومستوعبة.
يجب ان تعود الحركة الإسلامية كما بدأت أصلاً حركة مجتمعية، تقوم على فكرة إنجاز مشروع نهضوي للأمة، يحظى بمشاركة كل مكونات المجتمع وأطيافه، على جميع الأصعدة والمستويات الفكرية والتربوية والاقتصادية والعلمية والسياسية، من أجل الوصول إلى صيغة مجتمعية متكاملة، وليس إلى صيغة حزبية ضيقة، ولا صيغة فئوية أو مذهبية خلافية، ومن هنا يجب فهم موقف الإمام المؤسس من فكرة الحزبية التي وصفها بأنها وصفة للخلاف وتمزيق المجتمع.
حسن البنا حاول بناء علاقة طيبة مع الأطراف المجتمعية جميعها بلا استثناء، فحاول بناء علاقة مع الأقباط، وحاول إشراك بعضٍ منهم في هيئات الجماعة القيادية، كما أنه بنى علاقات طيبة مع رؤساء الجمعيات والأندية، والمخاتير وأئمة المساجد، وقبل ذلك حاول إرساء علاقة طيبة مع الجانب الرسمي المتمثل في إدارة الدولة والمؤسسات، وأراد أن يفهم جميع الناس أنه يقود مشروعًا نهضويًا على مستوى الدولة والشعب، ولا يخص مجموعة معينة، ولا يستثني طائفة أو فئة من فئات المجتمع ،ولا يتوجه عملها ضد أية فئة او مجموعة او طائفة او أي مكون اجتماعي.
أراد أن يكون الاقتصاد المصري قائمًا على ركائز وطنية إنتاجية ذاتية مستقلة ولذلك امتدح تجارب الشخصيات المصرية الوطنية التي حاولت تدشين مشروعات مصرية أصيلة تحقق الكفاية للشعب المصري، وتحرره من التبعية والارتباط مع الدول الاستعمارية، منذ بدايات القرن المنصرم. إضافة إلى قيادة مشروع البناء الاجتماعي عبر إصلاح منظومة القيم المستمدة من ثقافة الأمة وتراثها الحضاري، المستمد من الإسلام العظيم.
الحركة الإسلامية على هذا النحو تعمل على إصلاح المنظومة السياسية من خلال مشاركة الشخصيات الكفؤة التي تحمل مشروع النهوض بطريقة فردية وليس عبر مجموعة حزبية تخوض معركة التنافس على السلطة، بمعنى أن أثرها الحقيقي يتجلى في تحسين طريقة فرز المجتمع للكفاءات من دون تقيد بالشروط الحزبية أو الإنتماءات الأيدولوجية، في كل مفاصل المجتمع ومؤسساته، من دون تراتبية حزبية صارمة، ما يجعل المسؤول يشعر بالانتماء إلى الدولة والمجتمع، ولا ينحصر انتماؤه بإطار حزبي ضيق.
عندما تخوض الحركة الإسلامية معركة التنافس على السلطة، فقد جعلت من نفسها محلاً للخصومة والصراع شاءت أم أبت، وسوف يخرج هذا التنافس عن دائرة الأخلاق والقيم، وسوف يتخذ شكلاً مصلحيًا بحت بطريقة حتمية، وسوف يجعل الخصوم يستعملون أوراقهم وأسلحتهم وأدواتهم كافة ولو كانت من خلال التشويه وتغيير الحقائق، أو من خلال الاستعانة بالناقمين والمخالفين على المستوى الداخلي من كل لون ومن كل صفة، وإذا استطاعوا أن يتعاونوا مع الخصوم خارج حدود الدولة فلن يتوانوا أيضًا من أجل تحصيل الفوز، وسوف تنقلب المعركة ضد الاسلام وهذا يمثل خسارة كبرى.
ينبغي أن ندرك أن المجتمعات العربية والإسلامية استطاعت الانتقال الجمعي، نحو التمسك بالإسلام كونه إطارًا حضاريًا واسعًا، ومصدرًا لهويتها وثقافتها الذاتية، وهذا يكفي، ومن هذا المنطلق يجب أن يتم السماح لكل الفئات ولكل المجموعات التي استطاعت أن تشتق برنامجها العملي من هذا الإطار أن تتنافس في خدمة أمتها ومجتمعها، من دون اللجوء الى حصر الإسلام في فئة محددة أو في إطار ضيق خاص، و بناء على ذلك تستطيع الحركة الإسلامية أن تجعل من نفسها مرجعية مقبولة لكل هذه الفئات والمجموعات المتنافسة، وتستطيع أن تشكل عاملاً من عوامل التقريب بين مكونات المجتمع، وعاملاً من عوامل وحدة المجتمع وتماسكه، بشرط الابتعاد عن الصراع الحزبي على السلطة ، وأن تنأى بنفسها عن الانخراط في مجال التنافس على المصالح. ولذلك ورد على ألسنة الرسل والأنبياء جميعًا ((قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا)) –الأنعام (90)-.
a.gharaybeh@alarabalyawm.net
العرب اليوم