طالعتنا الأخبار في أول أيام شهر رمضان بصدور فتوى لعلماء حمص بجواز أكل القطط فيها بعد شهور طويلة من الحصار والتدمير والقتل!
جاء هذا الخبر الأليم متزامنا مع أخبار انهيال مليارات العرب على مصر ثمنا لتمرد الجيش، واغتيال الديمقراطية هناك بتنحية أول رئيس منتخب سواء جاء على مقاس كل واحد منا أم لا، دون اعتبار لما يمكن أن يتبع ذلك من تعريض البلاد والعباد لحرب أهلية تعيد مصر قرونا إلى الخلف، ويُترك فيها الناس لذبح قططهم وأكلها في ظل غياب مساعدة المشجعين والمحرضين لهم على الثورة والتمرد على حكامهم.
ما يحدث في مصر اليوم لا يختلف كثيرا عما حدث في سوريا، فبعد وضوح ملامح الخديعة الكبرى التي دفعت ثمنها سوريا كلها شعبا وجيشا، واقتصادا، وبنية تحتية، ومستقبلا لم يعد الندم ينفع أحدا، ولا بد من أن يتذكر الجميع أن الفتنة عمياء، وأن كلفة الحروب كبيرة.
وما فعله زعماء بعض الدول العربية، والعالم الآخر مرددين أن النظام السوري سيسقط بعد أيام قليلة، مع شيء من التهديد والزمجرة التي انكشف زيفها وكذبها، إذ لم يهم بعضهم سوى الأسلحة الكيماوية، بل إن تكرار حديثهم عنها كان كأنما هو إغراء باستخدامها، فهذا يحقق لهم منافع كثيرة منها شرعية التدخل المباشر، إضافة إلى أنها فرصة لتجريبها، ورؤية تأثيرها على شعوب لا يعنيهم وجودها أصلا.
أما دماء الشعب السوري كله، فهيغير مهمة، وتشريد الآلاف لا يحرك مشاعرهم، وتحطيم نظام مستقر هو غايتهم، وتدمير سوريا الدولة والحضارة لا يحزنهم، بل لعله يسرهم، فها هم السوريون قد خربوا بيوتهم بأيديهم، فحققوا حلم أعدائهم دون أن يخسروا نقطة دم واحدة، أو دولارا واحدا.
أما الفضائيات التي ساهمت في تأجيج الأزمة السورية، وتعمل الأمر ذاته في الأزمة المصرية، فقد حققت هي الأخرى مرادها، وتنافست فيما بينها بإحصاء عدد القتلى، وعرض صور الموت واللاجئين المنكوبين، وخبر فتوى أكل القطط، والجوع المستشري، دون أن يتعارض هذا كله مع كامل رفاهية أصحابها، وموائدهم الرمضانية، مثلما لم يتعارض مع حال العاملين فيها، وأناقتهم، واختلاطها بصور الجثث المعفّرة بالدم والتراب!
المراقب لكل ما حدث ويحدث يلاحظ أن الجهات التي أججت الأزمة السورية وشجعت الشعب، وورطته، وتركته وحيدا للموت والجوع، وجعلت سوريا مستباحة لصراع قوى سياسية كثيرة، وأمراء الحرب، والميلشيات المسلحة يمكن أن تُحدث الأمر نفسه في مصر!
فعدد من الأنظمة العربية، التي استثمرت في الدم السوري، وتريد فعل الشيء نفسه في الخلاف المصري، وتطيل معاناة شعبيهما لتلقّن شعوبها درسا مجانيا لأي حراك قادم، معتقدة بأنه كلما طالت معاناة دول ما يسمى بالربيع العربي كلما ابتعد شبح الثورة عن بلادها؛ لذا لا تبذل جهدا كافيا لرأب الصدع بين الأشقاء، بل تقوم بتأجيج النزاع، وكأن شعوبها تعيش حالة متقدمة من الديمقراطية – فهذه الأنظمة لن تنجوا من كراهية الشعوب المنكوبة مثلما لن تنجوا من كراهية شعوبها لها.
أما ما يسمى بالمعارضة، فقد ثبت أن عيون كثير منهم على الكرسي فقط، وليس على وطن يدمر، أو شعب ينزف، أو ديمقراطية مأمولة! فأغلبهم (برادعيون).
من حق المراقب أن يتساءل لماذا لا يفيد الحكام العرب جميعهم سواء من جاء منهم بالانتخاب أم بالتلزيم من أشهر الأمثال المحفوظة في الذاكرة الجمعية العربية من مثل: أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض، وانجُ سعد فقد هلك سعيد؟! ولماذا لا يتعلمون أن سياسة الإقصاء التي لا تنفع أحدا؟! ولماذا لا يقفون هم وشعوبهم في منتصف الطريق لتحقيق الإصلاح والديمقراطية؟! فتُحفظ بلادهم، وتُصان أرواح شعوبهم، وتُفوّت الفرصة على أعدائهم.