اغتيال بوتو .. اغتيال لدور المرأة المسلمة
مالك نصراوين
07-01-2008 02:00 AM
فجع العالم في ربيع عام 1979 باغتيال الزعيم الوطني الباكستاني ذو الفقار علي بوتو ، من خلال تنفيذ حكم بالاعدام به ، بتهمة موافقته على اغتيال سياسي معارض ، وهي تهمة اعتبرها الكثيرون مكيدة سياسية للتخلص من هذا الرجل ، الذي اسر بشخصيته قلوب غالبية ابناء الشعب الباكستاني ، وقلوب الكثيرين في العالم ، من انصار الديمقراطية والحرية والتقدم ، وقد تم ذلك في عهد الجنرال محمد ضياء الحق ، الذي انتزع السلطة بانقلاب عسكري ضد حكومة السيد بوتو عام 1976، وقتل لاحقا بحادث طائرة وبرفقته السفير الامريكي في باكستان .لقد عرف الزعيم الباكستاني ذو الفقار علي بوتو ، بعشقه للحرية والديمقراطية ، والتصاقه بالفقراء رغم كونه ابن عائلة اقطاعية ، وكان ذلك من ابرز مباديء الحزب الذي اسسه ، حزب الشعب الباكستاني عام 1967 ، حيث كانت الديمقراطية والاشتراكية ابرز عناوين حزبه ، فتمتع حزبه على ضوء ذلك بتاييد الفقراء والمثقفين وحتى ابناء الطبقة الارستقراطية ، واصبح الحزب الاكثر شعبية في باكستان ، فقد ايده الفقراء لانهم وجدوا فيه ضالتهم للخلاص من براثن الفقر والجهل والمرض ، وايده الارستقراطيون الذين وجدوا فيه وجها تقدميا مشرقا لباكستان ، وانضوى تحت لواء حزبه مواطنون من مختلف الطوائف ، الذي وجدوا في الحزب البوتقة الوطنية التي تجمعهم ، والذين لم تصلهم اصوات الفضائيات المشبوهة هذه الايام ، التي تدس السم في الدسم ، فلا تترك شاردة او واردة الا وبثت من خلالها سمومها الطائفية ، بحجة االتحليل الوافي ، والالمام بكل جوانب القضية ، أي قضية .
اذكر هنا انني كنت في ذلك الوقت طالبا في جامعة دمشق ، واسكن المدينة الجامعية ، حيث هناك طلاب من كل الملل ، فاضافة للطلبة العرب كان الصينيون والباكستانيون يدرسون اللغة العربية ، وكان لي زملاء واصدقاء باكستانيين في غرف مجاورة ، يزورهم بين الحين والاخر طالب باكستاني اخر يبدو من هندامه ومن مناقشاته ، انه من عائلة ميسورة ومن الليبراليين حيث يسكن في شقة خارج سكن الطلبة ، ويتبنى افكارا تحررية ومن اشد المناصرين لبوتو ومن اكثر المتأثرين باعدامه ، وقد دعاني احد الايام بعد ان توطدت علاقتي به الى احد المطاعم الراقية في حي ابو رمانة ، وهو مطعم يقدم المأكولات على الطريقة الغربية ، وكانت هذه اول مرة ازور فيها مطعم من هذا الصنف في دمشق ، فانا احد الذين طبعت في اذهانهم صورة نمطية عن الباكستاني الفقير ، وقد كنت ارى بعضهم يتسول في شوارع دمشق ، فادهشني وجود مواطن باكستاني بهذه المواصفات .
اوردت تلك الحادثة لابين كيف اجتمعت المتناقضات في عشق الزعيم الباكستاني ذو الفقار علي بوتو ، وكيف انسحب هذا العشق لاحقا على ابنته بناظير بوتو ، التي اقسمت ان تقود المسيرة بعد ابيها ، فعاشت المعاناة ، معاناة السجن ومعاناة الحزن على مصير ابيها ، وعلى مصير اخويها مرتضى وشاهنواز ، الذين قتلا ايضا في ظروف غامضة ، فجعلت تلك النكبات عائلة بوتو كعائلة كينيدي في امريكا وعائلة غاندي في الهند ، عائلة اختارت الدرب الخطر ، درب الزعامة لخدمة وطنهم ومواطنيهم ، رغم الاخطار المحدقة ، ونجحت تلك السيدة الفذة في تولي منصب رئيسة الوزراء لفترتين ، ورغم الصعاب التي زرعت في طريقها ، ومحاولة تشويه صورتها ، فقد عادت اخيرا الى وطنها كي تشارك في الانتخابات القادمة ، وسط ترحيب شعبي وتوقعات كبيرة بالفوز .
غير ان القدر المتوقع قد وقع ، وتكررت المأساة في الاسبوع الاخير من العام المنصرم ، حين طالت رصاصات ومتفجرات الغدر الزعيمة ابنة الزعيم ، بناظير بوتو ، فاغتيل باغتيالها حلم الباكستانيين من عشاق الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية ، واغتيل باغتيالها اكبر حلم لنساء العالم المسلم ، وكل نساء العالم الطامحات للحرية والتقدم والمساواة ، فقد كانت الراحلة اول امرأة مسلمة تتبوأ منصبا قياديا كبيرا في دولة اسلامية ، وتقود حزبا يتمتع بشعبية عالية ، جمعت بين العصرنة والاصالة ، وكانت جسرا تمر عليه المرأة المسلمة من عالم الظلام الى عالم النور .
لقد كان رحيل بناظير بوتو وبهذه الطريقة البشعة ، خسارة كبرى لقضية المرأة في العالم بشكل عام ، والمرأة المسلمة بشكل خاص ، وليس من الضروري ان يفهم من العنوان ، ان من قتلها هم اعداء المرأة ، من الاصوليين المتطرفين ، رغم ان هذا القتل قد يفرحهم ، لكن نتيجة الاغتيال تمثل خسارة كبرى لقضية المرأة ، وكم كنت اتمنى والحال هذه ، لو تم اختيار فاطمة مرتضى بوتو ، ابنة شقيق الراحلة ، او أي عنصر نسائي اخر من عائلة بوتو لزعامة الحزب ، فقط من اجل استمرار تصاعد المنحنى البياني لدور المرأة ، خاصة في العالم الاسلامي ، والذي تبوأت فيه بعد باكستان زعامات نسائية مقتدرة ، في بنغلادش واندونيسيا ، فتفوقت المــرأة في هذه الدول على نظيراتها في الغرب .
m_nasrawin@yahoo.com