كرسي مرسي .. ينقل الصراع للشارع
جهاد المنسي
10-07-2013 03:36 AM
أخطات جماعة الإخوان المسلمين في مفاصل كثيرة أثناء عملية إدارة الدولة المصرية خلال عام من الحكم. وهذا الخطأ سبق أن اقترفته حركة حماس عندما انقلبت على الشرعية في غزة، وقتلت واعتقلت قيادات "فتح" في القطاع، ومنعت الاحتفالات باستشهاد الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، ومنعت قنوات فضائية مؤيدة للسلطة من البث في القطاع.
فالديمقراطية لا تتجزأ؛ لا يجوز أن نعترف بها عندما تكون لصالح طرف، وننتقدها وننقلب عليها عندما تكون بخلاف أهواء ورغبات ووجهات نظر طرف ثان. فالديمقراطية والحرية تؤخذان كحزمة واحدة لا تتجزأ وفق رغبات هذه الدولة أو تلك، أو هذه الجماعة أو تلك.
مشهد قطاع غزة تكرر بصورة مقلوبة. ففي غزة كانت جماعة الإخوان المسلمين التي تتبع لها "حماس" فكرا وعقيدة، تسوق حججا ومبررات لا تنتهي لتبرير ما فعلته في القطاع؛ فخونت البعض، وألقت التهم جزافا على آخرين، واتهمت أطيافا سياسية بأنها أذناب للسلطة، حتى وصل الأمر في نهاية المطاف إلى اتهام البعض بأنهم أذناب لإسرائيل. وهنا لا أدافع عن أحد من القيادات الفتحاوية التي كانت في غزة، ولا أقصد اسما بعينه، لأنني أعرف ما يملكه العقل العربي من عقلية تدفع دوما تجاه المؤامرة، وليس نحو اعتبار ما يكتب وجهة نظر، لتقول إن في ذاك انتصارا لشخص دون آخر.
في المجمل، قدمت "حماس" وجهات نظر تؤيد ما أقدمت عليه، وتبرر فعلتها، وحتى تبرر سحل أشخاص في الشوارع بدون محاكمة، وتعليق آخرين على أعمدة الكهرباء. كل هذا خرج من بين صفوف "الجماعة" من يبرره باعتبار أن الطرف الثاني شيطان رجيم، يستحق هذا وأكثر.
لا أبغي من وراء ذلك نبش الماضي القريب، ودق إسفين بجهود المصالحة الفلسطينية التي أعتقد أنها لن تتحقق قريبا، خاصة في ظل الظروف الإقليمية التي تطغى على السطح.
رغم كل ما حصل، ظهر من بين الناس عقلاء يدعون إلى تجاوز المرحلة والعض على الجرح، وفتح صفحة جديدة بالحوار وعدم إقصاء أي طرف للآخر.
فالإقصاء أساسا ليس مفهوما ديمقراطيا يحفظ بنيان الدول، ويضع حجر الأساس للدولة المدنية الحديثة التي تطمح إليها الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج، كما هو لعبة الطرف الذي لا يريد حوارا، ولا يرغب في البناء، ويطمح بالسلطة عبر الديمقراطية ومن ثم لا يريد التنازل عنها، وإن كلف ذلك أنهارا من الدم والقتل.
الأصل أن نقبل الديمقراطية وشكل الدولة التي قبلنا أن نخوض الديمقراطية على أساسها، ولا تعني السعي إلى تغيير هذا الشكل قبل تحقيق أقل ما يمكن للمواطن الغلبان كلقمة خبزه، وحريته المفقودة، وشغله، ومصير أطفاله.
والأصل في كل الحركات الثورية التي تريد بناء دولتها ضم الجميع تحت جناحها، خاصة أن حركة الإخوان المصرية تعرف يقينا أن الشعب المصري عندما ذهب للاقتراع لصالحها لم يذهب قناعة في الفكر الإخواني، ولكن خوفا من عودة النظام الذي حدثت الثورة ضده، ولهذا فات الإخوان التفكير في هذا المنحى.
لديّ ملاحظات كثيرة على ما جرى في مصر خلال الأيام الماضية، وأتوجس خيفة مما يجري الآن في ميدان التحرير وميدان رابعة العدوية وأمام دار الحرس الجمهوري، وأرفض لغة القتل وإقصاء الآخر، وإغلاق محطات تلفزة مرخصة، كما أرفض لغة الترهيب والتخوين مهما كان مصدرها. ولكن في كل الأحوال، فإن الحل لا يتحقق إلا بالحوار والعودة إلى جادة الصواب، واحتواء الجميع في بوتقة واحدة، أساسها الخوف على مصلحة مصر باعتبارها قلب العروبة النابض.
"الإخوان"، و"العسكر"، و"جبهة الإنقاذ"، و"تمرد"، عليهم وضع مصلحة مصر العليا فوق كل اعتبار، والابتعاد عن لعبة المصارعة في الشارع، وفتح مصر أمام كل الاحتمالات الممكنة.
الوقت ليس وقت توصيف الانقلاب إن كان عسكريا أم لا، ولا وقت البحث عن كرسي، وإنما في مصر حراك يجب أن ينتهي وفق مصلحة الدولة العليا.
الغد