شرعية مرسي وعدم مشروعية تصرفاته
د.عادل الحياري
09-07-2013 08:24 PM
الشرعية حالة تقوم حينما تسوَغها قاعدة قانونية، وفي الديمقراطيات الحديثة، يحوز رئيس الجمهورية على الشرعية، غالبا، بتطبيق قاعدة الانتخاب، سواء كان ذلك من قبل الشعب أو البرلمان أو من كليهما. ويبقى الرئيس، في حالة الفوز، متمتعا بهذه الشرعية طيلة مدة رئاسته، إلا اذا قام أحد الأسباب التي تسقط حالة الشرعية، ومن الأسباب المسقطة، قيام حالة عدم المشروعية.
والمشروعية في الدول الحديثة، معناها خضوع الحكام والمحكومين للقانون. ومقتضى هذه القاعدة، أن أعمال رئيس الجمهورية وقراراته لا تكون صحيحة، كما لا تكون ملزمة للأفراد المخاطبين بها، الا بمقدار مطابقتها للقواعد القانونية التي تحكمها،فإذا ما استمر رئيس الجمهورية بمخالفة القانون، جاز للشعب عزله.
وفي خلال الأيام الماضية، سأل بعض الصحفيين بعض المختصين الدستوريين - في برامج تلفزيونية عن مدى شرعية عزل الرئيس، وكانت الاجابات متضاربة وغير موفقة. ولهذا رأينا من اللائق أن نرجع الى الأسس التي اعتمدت عليها نظرية المشروعية، وبخاصة ان الحكام والمحكومين، كانوا منذ القدم بين الكر والفر، بالنسبة لهذا المفهوم، الحكام يستبدون، والرعايا يصدون الاستبداد.
في إطار الشريعة الاسلامية، اتفق غالبية علماء المسلمين، على ان الحاكم المستحق للعزل، يجب عزله، وقالوا ان الأمة التي وصفها الله بقوله « كنتم خير أمة اخرجت للناس، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله»، يجب ألا تقف ساكنة أمام من يسومها الخسف، من خليفة أو حاكم، وهي قادرة على عزله، وقد استندوا الى الحديث «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الايمان».
وفي التطبيق يذكر أن أبا بكر قال «قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن رأيتموني على حق فأعينوني، وأن رأيتموني على باطل فسددوني وقوموني، أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيت فلا طاعة لي عليكم». كذلك يذكر ان صحابي قال للخليفة عمر «لو وجدنا فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا». فشكره الخليفة وحمد الله أنه يوجد في الأمة من يقومه بسيفه.
أما في الفقه الغربي «فقد بدأ ظهور حق الشعوب في مقاومة طغيان الحكام منذ القرن السادس عشر على يد رجال الكنيسة الكاثولوكية، وقد تعاظم هذا الحق على مر العصور حتى دخل في اعلانات حقوق الانسان، فقد جاء بإعلان الحقوق الأمريكية»(1776).
« ان الحكومات لا تنشأ الا لهدف، هو حماية الحقوق الطبيعية للانسان، فإذا لم تحترم الحكومة هذا الغرض أو تكرر خروجها على الدستور، كان للشعب الحق في أن يخرج عليها وان يعزلها». أما اعلان الحقوق الفرنسي (1793) فقد قال «اذا اغتصبت الحكومة حقوق الشعب، فإن المقاومة الشعبية تمثل حينئذ أقدس حقوق الانسان» وكذا الاعلان الدولي لحقوق الانسان، الذي صدر سنة 1948 عن الأمم المتحدة، فمع أنه لم ينص صراحة على حق ومقاومة استبداد الحكام، الا ان الديباجة التي تصدرت الاعلان ذكرت «إن حقوق الانسان يجب أن تنظم بنظام حقوقي للحيلولة دون اللجوء الى الثورة ضد الظلم والطغيان». غير أنه يلاحظ أن الدساتير المعاصرة، تتجنب الاشارة الى هذا الحق، بحجة أن الحكام اصبحوا ينبثقون من الشعب وبالوسائل الديمقراطية، ومن حق الشعب تغييرهم في أي وقت. وهذه الفرضية ليست صحيحة في كل الأحيان، لأن الواقع يكذبها. وآية ذلك أن بعض الحكومات قد تأتي من خلال وسائل ديمقراطية، ولكنها قد تنحرف باستعمال السلطة، وبالتالي يمكن القول أن الواقع السياسي، ما زال يسمح بقيام الاستبداد الذي لا تملك الشعوب ضده أية وسائل قانونية، فيقوم حق الشعب بعزل الحاكم على الرغم من أن البداية كانت ديمقراطية. والوصف في الفقرة السابقة، ينطبق على مرسي، فقد حاز على الشرعية من خلال صندوق الاقتراع الا انه فقدها من خلال تصرفاته التي جانبت قواعد المشروعية.
ونحن لسنا بحاجة الى وصف اوضاع مصر في خلال السنة التي حكم بها مرسي وجماعته، فقد أسهبت الصحافة في وصف تردي الأمن والسياحة والنظافة والماء والوقود والكهرباء وقوت المواطن وفرص العمل وهبوط قيمة العملة وهروب المستثمرين، الى ما هنالك من باقي مناحي الحياة.
ولكننا نذكر أن انشغال مرسي وجماعته، بتمكين الجماعة من مفاصل الدولة، بداعي تثبيت أهل الايمان في مواجهة أعداء الدين. مضافا الى الفجاجة وعدم الحصافة في ادارة الدولة، ادى ذلك الى استعداء جميع أطياف الشعب: من قوى الشباب والمثقفين والقيادات الدينية والقضاة والاعلام والاجهزة الأمنية بما ذلك المؤسسة العسكرية.
ونترك لغيرنا وصف الفجاجة وعدم النضج في المسائل التي هي ليست من اختصاصنا، ولكننا نذكر بعض المسائل القانونية التي اقترفها مرسي وجماعته، ليستبان مدى جهلهم وعدم معرفتهم ببديهيات القانون.
اصدر مجلس الشعب، برئاسة الكتاتني، قانون العزل السياسي، لمنع شفيق من الترشح،ونقول أن طالب السنة الأولى في كلية القانون، يدرك أن القاعدة القانونية يجب ان تكون مجردة، والنتيجة أن المحكمة الدستورية صفعت الكتاتني وابطلت القانون.
قرر مرسي في لحظة عمى بصيرة، اعادة مجلس الشعب- المنحل بحكم قضائي- الى الحياة. وقد تراجع عن القرار في اليوم التالي، لأن القرار يشكل جريمة ازرداء المحكمة.
قرر مرسي اقالة النائب العام، وهو في ذلك تدخل في استقلال القضاء وقد قررت المحكمة اخيرا صفع مرسي باعادة النائب العام الى منصبه.
اصدر مرسي مرسوما دستوريا، يحصَن بموجبه قرارته، كتثبيت مجلس الشورى، ومنحه سلطة التشريع منفردا، وتثبيت الجمعية التأسيسية للدستور، وغير ذلك من القرارات. غير ان المحكمة الدستورية اصدرت حكما بابطال القانون الذي اجريت على اساسه انتخابات مجلس الشورى، وهذا يقتضي بالضرورة بطلان مجلس الشورى. كذلك حكمت بعدم دستورية القانون الذي اختير على اساسه اعضاء الجمعية التأسيسية للدستور. والأثر المباشر لهذا الحكم هو بطلان الجمعية التأسيسية. لكن مرسي أدار ظهره لهذه الأحكام، واعتبرها وكأنها لم تكن. واصفا « الشورى والتأسيسية» إثر صدور الحكم، بأنهما « نماذج مشرقة للديمقراطية الجديدة في مصر».
غض الطرف مرسي عن عصابة قامت بمحاصرة مبنى المحكمة الدستورية لمدة شهر، بمنع قضاتها من دخول المبنى. وهذا الأمر من مسؤولية الدولة ممثلة برئيسها. وفعل تعطيل المحكمة من أداء مهامها يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون.
في آخر خطاب لمرسي- الذي كرر فيه لفظ الشرعية 77 مرة- اتهم بأسلوب لا يليق برئيس الجمهورية، اتهم احد القضاة بالاسم، بأنه قام بالتزوير، وما لم يثبت الرئيس صحة هذا الاتهام، فللقاضي الحق باقامة الدعوى على الرئيس، دعوى القدح والذم والحق الشخصي بالتعويض.
بالمحصلة نقول لو أن مرسي نفذ الوعد الذي قطعه على نفسه، حينما قال « انا لم اعد عضواً في الأخوان، انا رئيس مصر ولكل المصريين « لو نفذ ذلك، لتغير المشهد السياسي المصري. ولكن مرسي بقي أسير التنظيم، وبقي بديع والشاطر والكتاتني وابو اسماعيل وغيرهم، هم الحكام الفعليين لمصر، مع انهم لا يتمتعون بمراكز قانونية في الدولة.
نسأل الله ان يعيد لمصر عافيتها، ففي ذلك عافية للأمة العربية بأسرها.
الرأي