تتركز أزمات السير عند مخارج الأنفاق والجسور في عمان وضواحيها , ولا يخلو مخرج قريب من دوار أو عند بداية انعطاف بجانب جسر من أزمة خانقة , تجعل السائقين يبحثون عن مخارج التفافية أو مهارب للخروج من الأزمة , التي ترفع الضغط وتحرق الأعصاب , حتى داخل السيارات المكيّفة و الحديثة .
ولأن الاوطان كائنات حيّة تتفاعل وتحسّ , فأزمة الشوارع والانفاق والجسور , واكتظاظ الازمات عند المخارج والمهارب استنساخ طبيعي للازمة السياسية المنتشرة والتي يملأ دخانها كل رئة , وسط ازدحام في البحث عن المخارج واكتظاظ في السائقين أو اللاعبين , فثمة افراط في عدد الحراكات والأحزاب وافراط اكثر في التدافع للهتاف رغم محدودية الأعداد , فصارت الجمعة يوما للتظاهر من بعد الصلاة الى قبل الغداء , وسط القفز عن قاعدة بديهية مفادها “ يُغتال المرء من عاداته الثابتة “ , وهذه العادة فقدت بريقها ووهجها ومتابعيها وتحولت الى عبء اقتصادي على المناطق الحيوية في اسواق العاصمة القديمة واسواق المحافظات الرئيسة , ومعظمهم من البائعين الصغار أو من منتفعي الاقتصاد الموازي , الذين يعتمدون على الرزق عند تزاحم الأقدام .
كثرة الطباخين تُفسد الطبخة , وكثرة اللاعبين تعوق الحركة وكثرة السائقين توجد الأزمة , وهذا واقع الحال الأردني اليوم , فهناك مئات الحراكات , وعشرات الأحزاب , تتدافع على السبق بساحة المسجد الحسيني و تتسابق على ساحات مشابهة في المحافظات بنفس الهتافات وبنفس الترويدات , والمُتغير يكون استيرادا أو تفاعلا مع أزمة اقليمية , وقد وهبت أحداث مصر شعراء الهتاف فرصة لكشف مواهبهم في إقلاب الكلمات حتى تتماشى سجعا مع اسم مصر أو ساحاتها كما منحتهم سوريا وميادينها نفس الفرصة , والميدان كلمة تركية تعني الدوار .
خلال الأيام الفائتة شهدت شوارع عمان ازمة خانقة , وبرصد ملول اثناء الانحشار في الازمة الخانقة , ترى العين أن الأزمة في المخارج والمهارب على جنبات الجسور والدواوير , وتحديدا في ميداني الداخلية والمدينة بوصفهما أعرق ميدانين في الأردن وليس في عمان فقط , وهذه دلالة مهمة , فالاختناق او الازمة في اعصاب حيوية واستراتيجية ذات قيمة تاريخية , أي في عمق الأصالة الأردنية , وكأنه عقاب على خروجنا عن النص القيَمي والموروث الاخلاقي القابل للحداثة والتطور والرافض لقطع العلاقة او بناء علاقات جديدة بأدوات ليست وطنية الصُنع .
فما نشهده في زمن الصيف العربي القائظ , هو كسر لمألوف سياسي واجتماعي , وفيه الكثير من التقليد الأعمى كما فيه الكثير من الشحنات السلبية المُستوردة , ورائحته مُختلطة برائحة الإقليم رغم اختلاف الخصوصيات المحلية , فإن كان التشارك العربي حاضرا في غياب الديمقراطية وضعف التنمية والظُلم في توزيع عوائد التنمية , فإنها تختلف في طبائع الحكم , وفي مساحة الحرية والانفتاح ,وشكل استجابة الدولة للمطالب , ونحن لدينا حرية ونسعى الى بناء ديمقراطية , ولدينا احزاب ونسعى إلى أن يكون لديها برامج , ولدينا حراكات ونتمنى أن يكون لها مظلة موحدة , ولدينا حكومات ونتمى أن يكون لديها إرادة لإحداث التحولات الديمقراطية .
لدينا تراث سياسي زاخر , وسبق لنا النجاح في ربيع وطني سبق كل الاقطار في نيسان 1989 وكان ربيعا حقيقيا وبأدوات وطنية وبهتافات دون لكنة غريبة أو لحن , فتصالحت معنا الميادين ووفرت لنا المخارج الآمنة , دون أزمات او تدافع او اكتظاظ , لدينا ازمة سير سياسية نحو الأمام ولكن لدينا مخارج ومهارب كثيرة وتحتاج الى مهارة بتنظيم السير وتحديد اولوياته وشاخصة واضحة لتنظيم المرور نحو الهدف المنشود.
omarkallab@yahoo.com
الدستور