الدولة العربية إلى أين .. ؟
د. اسامة تليلان
07-07-2013 04:04 PM
بالمعنى الحديث عمر الدولة العربية ما زال اقل من فتي.. والأمر الاخر انه وعلى مدار عمر الدولة العربية البسيط لم تنصرف الجهود نحو التأسيس لبناء الدولة بالمعنى الحديث وإنما مرت العقود الماضية في تعزيز بنية السلطة على اعتبار ان السلطة هي الدولة.
ولذلك نجد امام تحليل تفاعلات هذه الدول ان على الصعيد الخارجي او الداخلي ان الدولة موجودة وغير موجودة في آن واحد، موجودة بالمعنى الجغرافي وبمعنى السلطة وتعداد السكان وغائبة في كل التجليات اللازمة لتحقيق كيانها بالمعنى المؤسسي والبنيوي والسيادي. حتى في فكرة الشعب واندماج مكوناته فإن اشكاليات هائلة ما زالت تعيق الوصول الى فكرة الشعب المتجانس الذي لا يقوم على اساس وحدة العرق.
العراق عام 2003 كشف عن هذه الصورة لواقع الدولة العربية بشكل واضح، فمع انهيار السلطة الحاكمة انهار كل شيء المجتمع المؤسسات الدولة بكل عناصرها، حتى الشعب تحول الى ملل ونحل تتكاثر كل يوم على وقع التفجيرات والنعرات الطائفية والعرقية، وعاد العراق وكأنه لم يكن دولة، ليبدأ مشوار تأسيس جديد ما زال يكتنف مصيره الغموض الى الدرجة التي يتكرر فيها السؤال هل سيستمر العراق كدولة موحدة متماسكة في ظل الاشكالات البنيوية الهائلة.
والربيع العربي الذي شكل بارقة امل لجزء هائل من المجتمعات العربية يقف اليوم امام مفترق طرق بالغ الحساسية في تاريخ الدولة العربية، حتى بدا وكأنه يشكل بداية انهيار لذلك الجزء البسيط في تركيبة الدولة اكثر من ان يكون مسارا تحويليا من مشروع السلطة الى مشروع الدولة.
اشكالية دول الربيع العربي اليوم وفي مقدمتهم مصر ان قطاعا واسعا من المحرومين سواء كانوا تيارات اسلامية او تيارات مدنية، يريدون ان يكرروا اخطاء السابق وان يقوموا بذات الممارسات السابقة، وهم يعتقدون انهم يفعلون الافضل لأنفسهم ولدولهم، اعتقادا منهم ان الوصول الى السلطة عبر الانتخابات يحقق كامل مشروع الدولة برمتها، او ان الانتخابات هي كامل العملية الديمقراطية، وان من حقهم ان يذهبوا بالدولة كيفما ارادوا وان يعيدوا تشكيل هويتها، وان يحكموا كيفما ارادوا، دون اقرار بأن الانتخابات طريق الى الحكم الديمقراطي، والا ما معنى ان يأتي الحاكم على ظهر دبابة او عبر صناديق الانتخاب ان كان المخرج شمولي وديكتاتوري بينما في الواقع لا تبدأ الديمقراطية العميقة إلا عندما تترسخ مؤسسية الدولة وتكون هويتها ليست موضع خلاف وجدال وتحوير.
القضية الان ليست الاخوان استعجلوا الوصول الى الحكم ام لا، اخفقوا ام لا، والقضية ليست بتسميته انقلاب على الشرعية ام لا، بالمحصلة سيتصدى المئات لبيان اين اخفق الاخوان في مصر، القضية الان في جانب منها ان يدرك الجميع ان الديمقراطية ليست حالة انتقائية تختار ما تريد وترفض ما لا تريد، والقضية الان الى اين تتجه مصر بعد سقوط شرعية الصناديق من يملئ الفراغ الدستوري وفراغ الشرعية في ظل هشاشة بنية الدولة والمجتمع، فالشارع لا يمكن ان يستمر بديلا عن المؤسسات، والجيش لا يمكن ان يكون بديلا عن المؤسسات المدنية والحزبية والحكومات المدنية، انها لحظة شبيهة بلحظات المخاض العسير الذي قد يفضي الى الانهيار، اذا ما تمخض الشارع عن تفريعات للعنف والكراهية، مصر كما الدولة العربية تبحث اليوم ايضا عن مصيرها والى اين تتجه؟