عبرت الارادة الشعبية المصرية عن نفسها، وقال الشعب كلمته: لا لحكم المرشد، لا لحكم عصبة الاخوان ولا لحكم جماعة دفعت رئيسها لاهدار دمه، قرباناً من اجل التشبث بكرسيه، حين تحدث في خطابه الوداعي الاخير: «دمي فداء الشرعية» وكانت هذه عبارة فضفاضة ومبطنة، تحمل في طياتها تحدياً صارخاً لشعب، قرر الخلاص من عبودية هذا الحكم، والقشة التي قصمت ظهر البعير، بعد مجاهرة الرئيس المعزول بحض اعوانه المنضويين تحت راية الاسلام السياسي الى استخدام العنف والتمرد على سيادة الدولة، بعد ان فقد جميع ادواته واستشعر الخطر بأن ساعة الحسم قد اقتربت.
الشعب المصري، الذي عزف سيمفونية الوحدة الوطنية بكل تجلياتها، حاز درجة الاستاذية بامتياز واعطى الدرس القاسي لجماعة حادت عن الدرب، في اهمية احترام ارادة الشعب، وحاولت عبثاً ان تستأثر بالمشهد المصري وتتجاوز على هذه الارادة مما دفع هذا الشعب المستنير ان يعلن انهيار مشروع «الاسلام السياسي» الاخواني الذي بدأت اولى حلقاته من «ام الدنيا» ما حدا بقيادات اخوانية ان تصور المشهد انه حرب على الاسلام، وانقلاب عسكري على الشرعية، رغم ان اعلان القوات المسلحة المصرية يدحض هذه الادعاءات والافتراءات عبر خريطة طريق واضحة المعالم تؤسس لبدء مرحلة سياسية مدنية جديدة، استجابة لمطالب ثلاثة وثلاثين مليون مصري انتشروا في شوارع وميادين البلاد عبّروا عن رأيهم بسلمية مطلقة، لتجنيب مصر وشعبها أتون حرب اهلية وطائفية باتت قاب قوسين او ادنى.
خطاب مرسي الذي يحمل في طياته استجداء واضحا للغرب واستقواء به، بعد ان كرر الحديث فيه عن الشرعية اكثر من (50) مرة، ينظر الى هذا المفهوم الديمقراطي من زاوية استمرار تربعه على الكرسي فقط وطبقها وفقا لمفهوم الجماعة الاقصائي وتناسى ان الشرعية وسيلة واداة من اجل العمل على تحقيق الرضى الشعبي عن سياساته التي اختزلها في خدمة اغراض جماعته وقدرته على تحقيق العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص.
معروف عن الاخوان انهم أبعد ما يكونون عن الديمقراطية لانهم في الاصل لا يؤمنون بهذا النهج ويستخدمونها شعارا يخاطبون فيه العالم وشماعة بهدف الوصول الى السلطة، فأين ديمقراطية مرسي التي اسفرت في زمن قياسي عن استشهاد اكثر من 140 مصريا ونحو 370 معتقلا الى جانب ملاحقة ومحاصرة كل من يحمل رأيا يتقاطع مع مبادئه وتطلعاته.
ان الواقع المصري والعربي يشكل مدعاة لهذه الجماعة ان تراجع حساباتها وان تتصالح مع ذاتها اولا ومن ثم مع دولها وشعوبها للسير في ركب الحضارة، لان عقارب الساعة لا تعود الى الوراء، فلم يعد مقبولا زج الدين في معترك السياسة، لان الدين اركانه ثابتة لا تتغير، بعكس السياسة التي تحدد المصالح وجهتها في المقام الاول.
نظرية استحضار المؤامرة والمكابرة, وتصوير المشهد على ان ما جرى في مصر استهداف لديننا الحنيف لم تعد تنطلي على احد, في ظل ثورة معرفية دخلت كل بيت عربي، فجميعنا مسلمون، لأن المسلم من سلم الناس من لسانه ويده, واحرص الناس على الاسلام اولئك الذين يحيّدون الدين عن السياسة ولا يُخضعون الدين لحسابات الربح والخسارة.
المتاجرة بالدين, خطر يتهدد الاسلام ورسالته السمحة, واكبر مثال على ذلك نهج «القاعدة» الدموي, الذي غيّر مفاهيم من لا يعرفون حقيقة الدين الاسلامي الوسطي الذي يحرّم الارهاب ويحرّم سفك الدماء ويدعو الى احترام تعددية الاديان والتعايش مع اصحاب الديانات الاخرى.
eyadwq@yahoo.com
"الرأي"