مصر .. بين التحرير ورابعة
جهاد المنسي
07-07-2013 03:32 AM
شخصيا لا أؤيد إغلاق أية وسيلة إعلامية، أكانت تابعة لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، أو لأية جهة أخرى، وفي الوقت عينه فإنني أتقزز من حجم التحريض والطائفية والجهوية والمذهبية الذي مارسته قنوات إسلامية في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي أو أثناء فترة الثورة الشعبية الذي أدت لعزله من قبل الجيش.
ولكن لا يتوجب حتى نمنع الجهوية والتحريض إغلاق الإعلام وإسقاط إشارات البث، وإنما كان الأفضل تفعيل مبدأ القانون والمساءلة والمحاسبة على الجميع، وتقديم من يمارس أفعالا تتناقض مع الترخيص للقضاء.
في الأثناء؛ فإن الجدل حول ما حصل في مصر؛ ثورة شعبية أم عسكرية، لن ينتهي، ولكل طرف مبرراته ورأيه فيه، ولكن الواضح أن الرئيس السابق محمد مرسي نجح فيما فشلت فيه أنظمة عربية عبر سنوات ماضية، وهو تبغيض سواد الشعب المصري وشعوب عربية بحركة الإخوان المسلمين، وهو ما كان لافتا وواضحا من خلال متابعة ما جرى في ميدان التحرير منذ 30 حزيران وحتى 3 تموز.
قد يقول قائل إن للحركة وجودا في الشارع، وهذا صحيح، ولكن نسبة المناوئين لها ومعارضيها وقاذفيها بكل الأوصاف ارتفعت خلال حكم الإخواني مرسي، بشكل لافت وواضح، وهذا ينسحب على سواد الوطن العربي.
تجربة الإخوان في الحكم سادتها أحادية وفئوية وفردية وعدم خبرة سياسية، وتحريض مذهبي وطائفي ومحاربة الإبداع وتقويض أركان الدولة المدنية وقطع العلاقات مع الشقيق وتركها مع المحتل، ومخاطبة القاتل وسفاك الدماء بـ"عزيزي وصديقي العظيم"، والتحريض على سفك دماء العرب في سورية وإعلان النفير للجهاد فيها، وترك فلسطين المحتلة دون أن يدعو منادي الجهاد إليها ولو لمرة واحدة من باب "رفع العتب". وليس هذا فحسب، وإنما إقناع حماس بتأمين حدود إسرائيل من الصواريخ وإقناعها -حماس- بملاحقة كل فصيل يخرق الهدنة.
هذا كله حصل في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي وهذا فقط جزء يسير من قضايا خارجية كثيرة وأخرى داخلية فشل فيها الإخوان في تنفيذ برنامجهم، سواء ما تعلق منها بالإعلانات الدستورية وطريقة "سلق" الدستور" وغيرها من القضايا.
ما حصل خلال الأيام الماضية يدفعنا للتيقن أكثر أن الإخوان يجيدون المعارضة، ومخاطبة المشاعر وتأجيجها دون تقديم برامج للمشاكل التي تعاني منها الدولة والمجتمع، وبالتالي يفشلون في الحكم.
بعد عام من وقوف مرسي بصدر عارٍ في ميدان التحرير مخاطبا ملايين المحتشدين من كل الأطياف السياسية يسارية وإسلامية وقومية وشعبية بعد انتخابه رئيسا، ومعاهدته إياهم على الوفاء بقيم الثورة، بعد عام فقط خرج 30 مليون مصري في ميادين مصر كلها يهتفون ضد مرسي وضد جماعة الإخوان وأصبحت صوره التي رفعت قبل عام كمخلص للشعب المصري.
في اللحظة التي كنت فيها أتابع ميدان التحرير والاتحادية وقصر القبة والإسكندرية والإسماعيلية والمنوفية وأسوان وجامعة الدول العربية ورابعة وغيرها، استذكرت الزعيم المصري الخالد جمال عبدالناصر الذي وصل لحكم مصر بانقلاب عسكري ولكنه استطاع خطف القلوب والأفئدة، واستطاع الوصول لكل مواطن مصري وعربي، فرفعت صوره في كل بيت من المحيط للخليج، استذكرت كيف كان عبدالناصر عظيما عندما أعلن مسؤوليته عن هزيمة 5 حزيران فاستقال، واستذكرت كيف خرجت ملايين المصريين والعرب في كل الشوارع ليس للمطالبة بمحاكمته أو قذفه أو شتمه، وإنما ببقائه في الحكم.
صحيح ان الديمقراطية تصنع في صندوق الاقتراع ولكن الديمقراطية الشعبية لها مكان أيضا في المفهوم الديمقراطي، وأغلب الظن أن ما حصل في مصر ديمقراطية شعبية، ويتوجب على الإخوان في كل مكان قراءة ما حصل جيدا والاستفادة منه، والابتعاد عن المنبر في مخاطبة الناس وتأسيس أحزاب سياسية بعيدة عن الدعوة.
في المقابل فإن الطرف الآخر عليه عدم تحييد الإخوان وإسقاطهم من المعادلة المقبلة وفتح حوار معهم، بمعنى السعي لثورة عمادها المشاركة والحوار وليس المغالبة والاستئثار.
الغد