هل تصلح انتخابات "الإخوان" ما أفسدته الانتخابات؟
ياسر ابوهلاله
06-01-2008 02:00 AM
تستغرق انتخابات الإخوان المسلمين الداخلية زهاء نصف عام، وكأنها ماراثون الانتخابات الأميركية! ليست كذلك، فالدعاية الانتخابية مذمومة عند الإخوان، ولو نظريا، ولا يستخدم الوقت المديد في الدعاية والترويج. مع أن التنظيم يمارس الدعاية الخجولة في إطار المشاورات و"الكولسات" وذلك لا يحتاج كل هذه المدة. يعود طول المدة لاعتبارات لها علاقة بالدرجة الأولى في إعداد الهيئة الناخبة. وهي لا تتنادى في اجتماعات عامة كما في الانتخابات الأميركية، وإنما تعد بسرية بالغة. والمشاركة فيها معقدة. فهي للأخ العامل المبايع (أدى البيعة للمراقب العام) المسدد للاشتراكات. في ظل هذه الشروط القاسية يخرج من التنظيم قطاعين أساسين: المرأة والشباب غير العامل. وينضاف إليهم غير القادر على تسديد الاشتراكات.
على عيوب النظام الأساسي للإخوان إلا أنه بصرامته وتعقيداته عصم التنظيم من مزالق التهور والتقلبات غير المدروسة، في منطقة نشاط زلزالي. ومجرد مراجعة آليات الانتخابات تفند الحكايات التي يرددها البعض عن اختطاف قيادة الإخوان من مجموعة متطرفة.
ومهما تشبث الإخوان بـ"السرية" تفضحهم الصحافة. كان ذلك في الانتخابات التي تزامنت مع التحول الديمقراطي عام 1989، كان صادما لـ"الإخوان" يومها نشر أسماء أعضاء مجلس الشوري في صحيفة المحرر. وبعدها غدت تحولات الإخوان الفكرية والسياسية والتنظيمية موضوعا مثيرا للإعلام خبرا ورأيا. تكفي مراجعة صحافة العام الماضي، وسنجد أن الشأن الإخواني حاضر بقوة لدى المحب والكاره.
على الإخوان في غضون الانتخابات التحضير وإجراء الاستماع جيدا، لأنفسهم أولا " بل الإنسان على نفسه بصيرة" فهم يعرفون أنفسهم جيدا، يعرفون أين عوامل القوة وأين مكامن الضعف. وعليهم أن يعرفوا واقعهم مثلما يعرفون أنفسهم، فمهما كانت قوة السيارة فلن تمشي في الهواء.
تغير الواقع كثيرا من عام 1989 إلى عام 2008، ففي الوقت الذي أجمعت القوى السياسية على نزاهة تلك الانتخابات في بداية التحول، يشكك اليوم نحو ربع الناخبين بنزاهة الانتخابات، قبل أن تجرى كما أشار استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية. وقبلها كان المركز الوطني لحقوق الإنسان يعتبر الانتخابات البلدية غير نزيهة.
حسنا، لا يجوز التسليم بنتائج الانتخابات غير النزيهة. لكن لو جرت بنزاهة هل تراجعت قوة الإخوان في الشارع أم لا؟ ولماذا؟ في منطق الشركة حتى لو انهارت السوق المالية فإن ذلك لا يعفي أكبر الشركات من تقديم بياناتها للعامة. وعندما تراجع الشركات أخطاءها يمكن وقف انهيار السوق، أما إعفاء النفس من المسؤولية فهو هروب معيب من المسؤولية.
تدفع أجواء الإخوان إلى التفاؤل، فالمراقب العام سالم الفلاحات يبدو محل إجماع. وهو ما يحافظ على خط الاعتدال السياسي بعيدا عن الإفراط والتفريط. ولا يتوقع أن تكون النتائج انقلابية. المهم أن تصلح الانتخابات الداخلية حال الاحتقان التي أفرزتها الانتخابات العامة، وتخرج الجماعة متماسكة سياسيا قبل تماسكها تنظيميا.
مشكلة برنامج الألف ميل هو في الخطوة الأولى؛ هل تحرير فلسطين يتعارض مع الإصلاح السياسي؟ وكأن المتشددين في الجماعة يتطابقون مع الحكام العرب الذين أجلوا الإصلاح على وعد التحرير أو السلام العادل والشامل. الخطورة أن يحول المتشدد فلسطين من عامل إجماع إلى شرارة فتنة. فالحركة الإسلامية في الأردن هي التنظيم الوحيد العابر للضفتين، وفي حال انتعاش الأفكار الانقسامية فلن تكون حاله أفضل من الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين التي لم تجد لنفسها تمثيلا لا في المجلس التشريعي الفلسطيني ولا في مجلس النواب الأردني، وحتى اليوم لا تكف عن التغني بالأمجاد الغابرة.
هذه الانتخابات فرصة ذهبية للتجديد على مستوى فكري وسياسي وتنظيمي. ولو نجحت في ذلك لخدمت الحياة السياسية في البلاد، ولو فشلت فالضرر ليس على الإخوان وحدهم.
www.maktoobblog.com/abuhilaleh